
الأدب والفلسفة : هل يلتقيان؟
الكاتبة/زينب السعود- الأردن

بين الفلسفة والأدب خيوط كثيرة مترابطة ، هكذا يعتقد الكثيرون ، بل هكذا يجزم كل من لا يفرق بين حقيقة الكتابة الروائية التي مطلوب منها أن تقدم نفعية ما وبين ماهية الفلسفة التي تحمل قيمتها في ذاتها ولا تعنى في البحث عن قيمة ما، خارج إطارها وحدودها . ولعلني في هذا المقال مضطرة لنكأ الجراح القديمة في العلاقة المضطربة بينهما ، أي منذ اعتبار أفلاطون الشعر كذبا وإيهامًا وثائرًا على الأخلاق ,والحق أن الفلسفة منذ ظهورها أخذت على عاتقها مهمة دراسة المبادئ وتفسير المعارف تفسيرًا موغلًا في استخدام العقل وصولا إلى الحكمة وهذا معنى كلمة فلسفة عند الإغريق ، حيث استفاضوا في إطلاق الأسئلة حول الوجود والمعرفة والقيم والأخلاق وصولا إلى معنى الحياة . وقد تأثر العرب بالفلسفة اليونانية بعد اختلاطهم بها وبعد البعثة النبوية وبزوغ شمس الإسلام اصطبغت الفلسفة مع الزمن بصبغة خاصة ، حيث إن القرآن الكريم اشتمل على أجوبة لكثير من أسئلة الوجود التي انشغل بها الفلاسفة ، عن الخالق وبدء الخلق ومآل الإنسان وحقيقة وجوده في هذه الحياة . وقد تكلم البعض عن فلسفة الأدب والآخر اهتم بأدب الفلسفة أي الإنتاج الأدبي الذي يقوم على بنى وأفكار تتخذ من العقل وانطلاقاته الواسعة التي لا يحدها قانون
أو قاعدة .وعند الحديث عن علاقة الأدب بالفلسفة وماذا قدم الثاني للأول نجد الرواية ظلت تنافح عن نفسها في مواجهة تغول الفكرة الفلسفية المجردة ، والعناصر البنائية التي تمتلكها الرواية كجنس أدبي حافظ على إطاره الخارجي غالبا تحد من سطوة الفلسفة المجردة التي تهدم أمامها كل الحواجز لتصل إلى أعلى تفعيل للعقل في عملية توالد الأفكار المضطردة .وعلى الرغم من أن الرواية العربية لم تتأسس في فضاء ثقافي متسامح أو ديمقراطي إلا أنها تمسكت بالكثير من تقاليد الخطة الروائية المتمثلة في العناصر وطريقة البناء وتتابع السرد القائم على حركة الشخصيات وليس فقط على أفكارها المحضة .وإذا كانت الفلسفة تعود لتبسط جناحيها على قراءات البعض من الجيل الجديد الذي يبحث عن متنفس لإشباع أفكاره وإثبات ذاته وتمجيد عقله ، إلا أنها ما زالت بعيدة كل البعد عن اقتحام عالم الأدب الذي يعيد ترميم نفسه وأدواته كل حين . ولا ننكر أن هناك روايات اقترنت بالفلسفة وهناك أشعارا تفوح منها رائحة البحث والتساؤل والتأمل ، لكن الحقيقة أن معظم من كتب أدبًا عربيًا فلسفيًا ظل مشدودًا إلى الأصول والأدوات . نعم يثير الأدب كثيرًا من التساؤلات ويطرح كثيرًا من الأفكار ولكنه يبقى كائنًا كلاميًا معتمدًا على البلاغة وصورها وخيالها ، يدقق في الألفاظ ويقاربها للمعنى ، وينسج الصور والخيالات والتشبيهات ليقرب المراد من السرد والوصف والحكايات .