
الزومة
بقلم الدكتورة/ بلسم القارح

حكاية من صمت الأرض
في قلب النوبة، حيث يلامس النيل التاريخ، وتتناثر القرى بين الحقول والسماء، هناك مكان اسمه الزومة… قرية هادئة تتوارى خلف الزمن، لكنها تحمل في أعماقها صدى حضاراتٍ مرّت من هنا، وتركت أثرًا لا يزال يتنفس بين الرمال والحجارة.
في الزومة، لا تلوح لك الآثار كما تراها في المتاحف… بل تخرج من الأرض كما تخرج الذكريات، حذرة ومتواضعة، لكنها عميقة ومهيبة. بين تضاريسها، تنتصب مدافن مهيبة بحجارة ضخمة وتكوينات معمارية معقدة، تعود إلى أواخر عهد مروي، حين بدأت تلك المملكة الكوشية العريقة بالانحسار، تاركة خلفها إشارات على تحول قادم، حيث بدأت النوبة تتجه نحو عصر الممالك المسيحية، وعلى رأسها مملكة المقرّة.
ما يميز الزومة أنها لا تتحدث عن زمنٍ واحد، بل هي طبقات من التاريخ:
• من بقايا مروي بكل مجدها وفنونها.
• إلى ملامح المرحلة الانتقالية التي شهدت تغيرات في أنظمة الحكم والمجتمع.
• ثم إشارات واضحة إلى الحقبة المسيحية، حيث بدأت معالم الروحانية تتغير، وتتمازج الرموز الدينية.
اللقى الأثرية التي عُثر عليها هنا تتحدث بهمسٍ جميل:
أوانٍ فخارية مزخرفة، أدوات من الحديد والنحاس، تمائم، وعناصر دفن مميزة، كل واحدة منها تحمل قصة، وربما اسماً، وربما أمنية لم تُكتمل.
بعض القبور بنيت على شكل تلال ترابية بسيطة، وأخرى شُيّدت بحجارة منحوتة بدقة، مما يكشف عن فوارق طبقية أو دينية، وربما اختلافات في العصور.
ورغم مرور الزمن وتغيّر الأحوال، لا تزال المدافن قائمة هناك، تنظر إلى الحقول، وتراقب الأطفال وهم يركضون بين أطراف القرية، كما لو كانت تحفظ لهم الطريق نحو الجذور.
لكن الزومة، مثل كثير من المواقع النادرة، تُواجه خطر النسيان… فالتمدّن يزحف، والزراعة تتوسع، والحفر العشوائي يهدد بتشويه ملامحها. ورغم كل هذا، ما زال الحلم قائماً في تحويل هذا المكان إلى حديقة أثرية تحكي قصة المكان لأجيال قادمة.
الزومة ليست موقعًا أثريًا فحسب، بل ذاكرة مكانية ووجدانية… قطعة من هوية سودانية أصيلة، ومرآة لعصورٍ مرّت وخلّفت خلفها ما يستحق التأمل، والحب، والحماية.
يمكن للزومه أن تُبعث من جديد، لا كأطلال مهجورة، بل كرمز حيّ يُلهِم الأجيال.
هي تنادينا لنكون جزءًا من حكايتها لنُحييها معًا، فنًّا، ووعيًا، ورسالةً تحفظ الذاكرة وتُنقذها من الضياع.
من عبق التاريخ،،،،،،
الزومة قرية في شمال السودان تقع في محلية مروي، على الضفة الشرقية لنهر النيل وتبعد عن مدينة كريمة 20 كيلو متر وعن مدينة مروي 15 كيلو متر، وتسكنها قبيلة الشايقية بالإضافة لقبائل الحسانية والهواوير. وتحاذي الزومة الكثير من القرى في ذات الشريط النيلي ومنها الكرو التي بها بعض آثار السودان والدهسيرة ومقاشي وحزيمة والبخيت والمقل والأراك والبرصة والكرفاب.
بالزومة نادي تأسس في العام 1953م وعدد من المدارس الأساسية للبنين والبنات منها مدرسة البنات 1956 ومدرسة البنين ومدرسة المختلطة ومستشفى الزومة التي تم تأسيسها في التسعينيات.
رموز
ينتمي للزومة عددا كبيرا من الشخصيات البارزة أمثال الشيخ أحمد علي حامد شيخ الزومة والشهير بود علي حامد وارث خلوة الشيخ علي حامد والشيخ محمد أحمد علي حامد الفقير مؤسس خلاوى الفتح المبين ومنها الشاعر إبراهيم الزومة والباحث عبد المطلب الفحل.