
قَيد
بقلم الأديبة/ هاجر مصطفى

صارت المواصلات جزءًا من يومي فجأة، فقبول العمل الجديد كان يستوجب تقبل الخروج من قريتي الهادئة إلى لعنة المدن. ولكي أقلل من الأضرار، أتعمد الجلوس بجوار النافذة كي لا أضطر لأشياء كثيرة منها النظر إلى وجوه الآخرين المستيقظة والمتعبة، وكأنهم تركوا خلفهم بيوتًا مهدمة لا أسرّة فارغة، وكأنهم مقادون إلى الأسر لا إلى العمل – الذي هو عبودية اختيارية مؤقتة – تنتهي بدراهم قبل المدة المحددة. ولكن الأمر ليس بهذا السوء، بل هو أسوأ، لن أكذب. لكن لا بديل يا عزيزي، فاستمتع برحلتك المؤلمة، فكلنا نسير نحو عبوديتنا فلا تصعب الرحلة بعبوسك علينا… اتركني لبلاهة إيجابيتي.
جلست خلف السائق، وهو ما سيضيع نصف الطريق في عملية إيصال وتوصيل تقوي عضلات الذراعين والكتف. أخيرًا اطمأننت أن السائق حصل على أجرته كاملة، وأنه سيسمح لي بالراحة.
أنظر إلى الطريق الممتع، فلا شيء أجمل من طريق تكسوه الخضرة… مساحات خضراء بشكل جميل لا يمل، ومشهد النخيل الذي يمنحني استراق النظر إلى جمال لا ينتهي، وزاده روعة موسم القمح البهي.
ركب شاب في مقعد فرغ منذ دقائق، فقطع متعتي بعملية التوصيل، فاسترقت النظر من نافذة السائق كي لا تنقطع عيني عن الخضرة وجمالها. رأيت طيورًا تزيد اللوحة جمالًا…
عدت إلى نافذتي مسرعة بعيون عطشى لمزيد من الجمال… لا طيور! كانت كثيرة في بداية الصعود! عدت إلى نافذة السائق، فوجدت الطيور تطير في حقل القمح وتصعد إلى النخل كأب يحمل طفله المدلل…
نافذتي بلا طيور… نصف عيني ترى طيورًا من نافذته، ونصف عيني ترى صمت الحقول الخالية من الأجنحة…!
هاتف السائق رجلًا يطالبه بباقي أقساط السيارة، فقد اشتراها حديثًا…
عندها كانت يد تتسلل إلى حقيبتي، وأخرى إلى بطاقة هوية وظيفتي الجديدة. كنت مقيدة إلى كرسي لا ينتمي لسيارته، كرسي غير مرئي…
أحسنت يا هاجر
واقعية شديدة
ونهاية مؤلمة!!!