إيقاعات متفردة على ديوان قلمي علمته الشجاعة للشاعرة إيمان يوسف

إيقاعات متفردة على ديوان قلمي علمته الشجاعة للشاعرة إيمان يوسف

بقلم الأديبة والناقدة منى عارف

د

يأخذنا عنوان هذا الديوان إلى درجة عالية من الفهم للنص، حيث يشير إلى المحور الذي يتمحور حوله الحديث ويحدد هوية القصيدة. يوضح النغمة أو التيمة الفكرية التي ستتناولها الكاتبة الشاعرة إيمان يوسف، بل وأشار لنا إلى الرسالة التي يمكن أن يحملها للقارئ “قلمي علمته الشجاعة”.


يأتي الإهداء كنص آخر، كعتبة من عتبات الولوج إلى هذه النصوص الشعرية والنثرية. يمكن اعتباره جزءاً من النص الموازي المباشر، ولا يقل أهمية في دلالته لأنه صار عنصراً مساعداً لاقتحام النص. استدل بذلك بما سطره الناقد الفرنسي جيرار جينيت في كتابه “عتبات” الذي صدر عام 1987، “هذه العتبات” ومنها الإهداء هي التي ستقود القارئ إلى مركز الانفعالات ودلالات مباشرة لها صلات بجولة النص. وخاصة أن المبدعة أثناء كتابتها واختيارها للعنوان والإهداء ظلت تضع المتلقي في ذهنها. فهي تسعى إلى إثارة انتباهه، والإهداء هنا له أبعاده الجمالية، وصار شاملاً، وله دلالات عميقة: “إلى كل من علمني حرفاً، أهداني نهراً، أنقذني عمراً، يسقيني فكراً، يرويني علماً، يكتبني شعراً، يجهدني قهراً، يبكيني، يتعبني دهراً، فغزلت قصائد منحتني صبراً، موسيقاها سحر، معناها شدو، ينثر في كوني عطراً، فيمر الواقع، أنسجه شعراً، شمساً، قمراً، مطراً.”


نبدأ بقصيدتها الأولى: في هذا العمل تحدد المكان بكل وضوح أنها الإسكندرية، كل الأعياد، تتحدث فيها عن مدينتها الجميلة بكل ما فيها من شواطئ وأشواق وحنين. حبيبي النيل لا تعاتبني على الغياب، إنها الإسكندرية، أمي أرتمي في أحضانها. كل الأماكن هنا تعرفني، وكذلك كل محطات العمر تسردها بسهولة ويسر “إنها الإسكندرية يا مولاي التي منحتني مفتاح القصيدة”.


وتتجلى ثورة الروح العذبة داخلها وتتوحد مع البحر في قصيدة أخرى “البحر وأنا ثورة”. ولم تكتفِ الشاعرة بذكر البحر في مجموعتها مرة واحدة، بل جاء ذكر البحر في عدة قصائد: أيها البحر المستفز، حبيبي البحر. مؤكدة على وجوده لتظل الخلفية مليئة به. إنه في القلب وليس في المكان فحسب، هناك أنسنة للبحر والأشجار والشوارع والقمر والنجوم والشمس، إنها نغمة في القلب لا تغفو، تلك المدينة الساحرة وبحرها.


تملك قلب وعقل الشاعر، فإذا بها تسبح بنا في تيارات هذا الحب الغير مشروط وتأخذنا معها عبر أبياتها البديعة إلى سماء بعيدة ذاخرة بالآمال والأحلام، حتى ساعات الغضب والألم تجعلها تمر “أحترم الألم حتى يمر”. وتصبح للكلمات بحق أجنحة وثوب اسمته ثوب الشجاعة، هذا نص التصالح مع النفس بكل جدارة، فيه قدر كبير من المحبة الخالصة لوجه الله، تميل فيه أغلب النصوص إلى الصوفية وخاصة أن ما بين التصوف والأدب وبالأخص الشعر وشائج قربى وتفاعل كبير، سواء على مستوى التجربة أو الكتابة.


وكان الحب الذي نراه واضحاً، دافئاً، هو الوسيط الذي جمل العلاقة الأسلوبية بين الشعر والتصوف، إلى رؤية الكاتبة للكون والأشياء من حولها، وأيضاً علاقتها بالوجود وحب الله: الواضح في كل النصوص، نوع آخر من التسامح مع النفس. يعتبر هذا العمل بمثابة تجربة روحية هدفها الارتقاء بالنفس إلى حالة من الصفاء والوفاق مع الله وينبع منه هذا الوعي والإدراك المتشابه للوجود والذات، والكون بأكمله: “أنا امرأة تشبه النهار، امرأة تملأ قلمها من محبرة الجنة.. تعبر برموز ملائكة الألف لتكتشف سماوات الأنوار، تنهل من الماضي الحكايا، تروض نفسها على القراءة والصلاة، تعبر بنا ساحات الضجر والحزن والسأم، تبتكر اليوم الذي يليق بها وتسافر عبر القارات لتكتب لنا أبدع القصائد “صديقي فنجان القهوة” الذي يشاركها العزلة والوحدة والخيال وتأخذنا به معها إلى نور الصباح العبقري.


قصائد تشعل الأمل والطمأنينة في نفوس القراء تارة وتهديهم عشقاً من نوع آخر تارة أخرى. قلب لا يحن ولا يستكين إلا بالمحبة. سيدة من نور تعلنها بكل صراحة ووضوح “على موائد الخلاف والاختلاف.. أتنفس من الشجن”.


ثورة على الظلم والاستكانة والخنوع. جاءت أغلب النصوص تحث على السعي والاجتهاد والانفتاح على عوالم أخرى ومستقبل سعيد وعلى تغيير الواقع والاحتفاء بالثورة:


الآن.. سأكتب حرية

أتنفس عبق الحرية..

وبقلبي أكتب مصرية..

منحونا نور الوطنية..

لنهار يمحو العبودية..

ثورتهم تعلن للعالم..

تاريخ الأمة المصرية..

لتصبح معجزة الكتابة هي طوق النجاة من الكآبة والبشر والمسؤوليات حتى تجد الروح أيقونة للسعادة. وهي التي تهديها القدرة على المواصلة والاهتداء “معجزة الكتابة.. أهدتني قلماً.. كوناً.. شجراً.. قلباً.. عقلاً.. دفئاً.. ستراً.. يهزم كل خوف وكل صمت”. جعلتها تتحلى بالصبر وتسافر تبحث في أغوار العالم عن الحقيقة ووجه الله.. تمضي بها عجلات الروح إلى سماوات عالية تؤرخ فيها لمشاعر الجمال وكل قيمة. الشاعرة تحمل قلماً يشبه الفرس الجامح الذي يلاحق الليل والنهار.. لكي تفترش الحياة تلك الكلمات المحملة بالمشاعر والمباهج والمبادئ والزهور. تخترق الأفق بل وتخترق قلوب القراء ليتجانسا الاثنان في عالم جديد.. ملؤه الاطمئنان والارتياح. لوحة لمدينة فاضلة.. نسيجاً من رؤى الجنة تتحقق فيها سعادة الجموع وتتناسى معه الآلام والأحزان.


“قلمي علمته الشجاعة” نص شعري فلسفي بامتياز يتناول موضوعات إنسانية تحاول فيه الشاعرة إيمان يوسف فهم الوجود والكون وتثبت للقراء منهجاً إنسانياً في أبياتها الشعرية: مليئاً بالمعرفة والقيم والأخلاق.. وكثيراً كثيراً من الحب.


محبتي لا تغيب…


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *