
ابنة كليوباترا
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار- مصر

بعد مقتل انطونيو وانتحار كليوباترا عاد أوكتافيوس إلى روما سنة 29 قبل الميلاد ومعه الأسرى والسبايا ومن بينهم ابناء كليوباترا من مارك انطونيوس وكانوا 3 أطفال من بينهم توأمان ولد وبنت هما هيليوس وسيلينى فى العاشرة من العمر والثالث (فيلادلف) أصغر منهما سنًا.
وسلم اوكتافيوس الثلاث أطفال إلى شقيقته أوكتافيا مطلقة أنطونيوس لتربية أبناء زوجها من كليوباترا تربية رومانية خالصة ولكن توفى هيليوس وفيلادلف قبل بلوغهم سن الرشد وبقيت كليوباترا سيلينى الثانية على قيد الحياة ،وعندما وضعت روما تاج الامبراطورية على رأس أوكتافيوس ونادت به أول إمبراطور رومانى على الغرب والشرق باسم (أوغسطس قيصر ) جعل يفكر فى إنشاء دولة جديدة قريبة من روما وعلى الساحل الأفريقي تخضع لتاج قيصر ويجلس على عرشها ملك وملكة ممن تربوا تربية رومانية خالصة .
وكان يقيم فى روما وقتها الأمير جوبا الأفريقى ابن ملك نوميديا وكان يوليوس قيصر قد هزم أباه وقضى على دولته وضمها إلى ممتلكات روما وكان الأمير جوبا قد نشأ فى روما نشأة لاتينية انسته أصله وماجرى لأبيه وعندما بلغ السن المناسب أقامه أوغسطس ملكًا على موريتانيا الأفريقية باسم ” جوبا الثانى” وكانت مملكته تشمل الجزائر والمغرب وموريتانيا الحالية
وأطلق الملك الجديد على عاصمة مملكته سيزاريا او قيصرية اعترافا منه بفضل ولى نعمته اغسطس قيصر وفكر الأمبراطور فى إعطائه زوجة تكون مثله مشبعة بروح روما وثقافتها فوقع اختياره على كليوباترا سيلينى الثانية ابنة كليوباترا الملكة العظيمة والحلقة الوحيدة الباقية من نسلها ونسل مارك أنطونيوس واصبحت ملكة مثل أمها .
واستدعاها قبل سفرها الى عاصمة مملكتها وتحدث معها ومن ضمن كلامه معها قال لها :” لقد كان اسم هيليوس (الشمس) شؤما على اخيكِ إسكندر فلعل اسم سيلينى (القمر) يجلب لكى ياابنتى الخير والسعادة “
ازدهرت مملكة جوبا وزوجته وعاش شعبها فى رخاء واطمئنان وتمكن ذلك الملك من تحقيق المعادلة الصعبة ارضاء بلاده وشعبه وارضاء روما فى نفس الوقت
اما الملكة فلم تكن سعيدة مع زوجها الذى كان وقته كله للمملكة ولايعطيها الا ماتبقى من وقت وهو القليل مما لم يسمح له بالأهتمام بزوجته وكانت كليوباترا سيلينى تعتبر نفسها اعلى من زوجها فى الأصل والعراقة والنبل فهى ابنة كليوباترا الملكة العظيمة سليلة البطالمة العظماء ووالدها مارك انطونيو النبيل الرومانى العريق والدماء التى تجرى فى عروقها مزيج من الدم اليونانى النبيل والدم الرومانى النبيل فمن يكون جوبا الافريقى هذا
وبالطبع مثل هذا التفكير وتلك العقلية لايمكن ان تجعل زوجها سعيدا فى حياته واذا اضفنا الى ذلك انشغال الزوج ببناء مملكته وتشييبد المعابد والقصور ورعاية الفنون والعلماء وتسليح الجيش لذلك كان الزوجان الملكيان يعيشان غرباء عن بعضهما .
وكانت كليوباترا سيلينى تتمتع بحقوق خاصة فرضتها روما على الملك جوبا بحجة ان كليوباترا رومانية اصيلة فى حين ان زوجها غريب عن روما تبناه الامبراطور فاكتسب القومية الرومانية اكتسابا وليس اصيلا وكانت تلك الحقوق هى طبع صورتها على النقود وعلى جدران المعابد والقصور وان تكون اوامرها نافذة على رجال الحرس والجيش حتى ان كانت ضد سلطة الملك جوبا اذا خطر لها ذلك وكثيرا ماخطر ببالها ولكنها لم تفعل.
لم ترث الأبنة ذكاء وعقل والدتها ولكن ورثت طيش وتهور والدها وكانت قد تربت معها من صغرها فتاة صغيرة ابنة احد رجال كليوباترا المخلصين ومولودة مع كليوباترا سيلينى فى نفس اليوم حتى انهم اسموها (لونا) وهو القمر بالرومانية بينما (سيلينى) هى القمر باليونانية.
وظلت لونا مع سيدتها حتى فى روما وفى مملكتها وكانت اقرب انسان لها وتناديها بأختها لذلك صارحتها انها تفكر فى انهاء حياتها مثل والدتها وان قمر سيلينى سيغرب قبل الاوان مثل شمس هيليوس اخيها التوأم وحاولت لونا ان تثنيها عن رغبتها ولكن فشلت ثم طلبت منها فى النهاية ان تكون معها فى ذلك فقد كانت رغبة ابيها خادم كليوباترا المطيع قبل ان يقتله رجال اوكتافيوس ….كان طلبه من ابنته لونا ان تكون مع سيلينى فى اى مكان تذهب اليه وان تكون لها خادمة مطيعة كما كان ابوها مع والدتها الملكة
فى اليوم التالى دوت الصرخات فى القصر وذهب الملك ليجد جثتين هامدتين ؛ جثةزوجته وجثة وصيفتها وقد توفيتا بالسم ووقف حزينًا آسفًا ثم أمر بدفنهما سويا فى حديقة القصر وأعلن الحداد ٤٠ يوما وانحنى مخاطبا جثة زوجته متناولا يدها قائلا :” لم نذق لذة الحياة معا أيتها الحبيبة ولم ننعم بالسعادة والهناء فى هذا العالم فلتسهر عليك الآلهة وأعدك أننى سأعتنى بولدنا بطليموس وابنتنا دروزيللا راجيا أن يكونا فى هذه الحياة أوفر منا حظًا وسعادة وهناء “
وفى حديقة القصر رقد القمران :
كليوباترا سيلينى ابنة كليوباترا ملكة مصر من زوجها مارك انطونيو القائد الرومانى وزوجة الملك جوبا الثانى ومعها الوصيفة “لونا” ابنة الخادم المصرى الذى حمل الى كليوباترا العظيمة الحية المسمومة فى سلة التين.