الإسكندرية على مر العصور : خلفية تاريخية سريعة

صورة واتساب بتاريخ 1446 10 12 في 14.19.06 3a780302

الإسكندرية على مر العصور : خلفية تاريخية سريعة

 بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار- مصر

WhatsApp Image 2025 03 06 at 10.55.01 97e6826f


حين نتحدث عن تاريخ مدينة الإسكندرية سرعان ما يجول بخاطرنا التاريخ اليونانى والرومانى متجاهلين بقية الحقب التاريخية المرتبطة بالمدينة، لذلك رأيت أن أبحث عن نفاءسها حيث لم تبخل علينا المدينة بما حباها الله من جمال وعظمة ،فعثرنا على الكثير من الشواهد الأثرية من المدينة الغارقة ، تمثل مظاهر الحياة اليومية والحياة الدينية،وأهم الموانئ التي تم إنشاؤها فى عصور ما قبل الميلاد وآثار لمعبودات وأوانى ومشغولات ذهبية داخل هذه المدن واستمرت الشواهد معنا بعد الميلاد فوجدنا المعابد اليونانية والرومانية والكتدراءيات القبطية والارثوذكسية والمعابد اليهودية والحمامات الشعبية والصهاريج العمومية والمساجد ، مما جعلنى أرصد وأتحرى هذه الشواهد فى جهد متواضع لا يوفي الإسكندرية حقها كاملا وسوف أقوم بعرض كل ما يخص الإسكندرية فى حلقات متتابعة إن شاء الله وكل ما يستجد من كنوزها..


تمتد المدينة حوالي ٤٠ كم (٢٥ ميلاً) على طول الساحل الشمالي لمصر وهي أكبر مدينة على البحر الأبيض المتوسط، وثاني أكبر مدينة في مصر (بعد القاهرة )، ورابع أكبر مدينة في العالم العربي ، وتاسع أكبر مدينة في أفريقيا ، وتاسع أكبر منطقة حضرية في أفريقيا .

تأسست المدينة في الأصل بالقرب من مستوطنة مصرية تُدعى راكوتيس (التي أصبحت الحي المصري في المدينة). نمت الإسكندرية بسرعة، وأصبحت مركزًا رئيسيًا للحضارة الهيلينية، وحلت محل ممفيس عاصمةً لمصر في عهد الفراعنة البطالمة الذين خلفوا الإسكندر. وحافظت على هذه المكانة لما يقرب من ألف عام، خلال فترة الحكم الروماني والروماني الشرقي حتى الفتح الإسلامي لمصر عام ٦٤١ م، عندما تأسست عاصمة جديدة في الفسطاط (التي ضُمت لاحقًا إلى القاهرة ).

اشتهرت الإسكندرية بمنارة الإسكندرية ( فاروس )، إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم ؛ ومكتبتها العظيمة ، وهي الأكبر في العالم القديم؛ ومقابر كوم الشقافة ، إحدى عجائب الدنيا السبع في العصور الوسطى . كانت الإسكندرية المركز الفكري والثقافي للبحر الأبيض المتوسط القديم لمعظم العصر الهلنستي وأواخر العصور القديمة .  كانت في وقت من الأوقات أكبر مدينة في العالم القديم قبل أن تتفوق عليها روما في النهاية .

كانت المدينة مركزًا رئيسيًا للمسيحية المبكرة وكانت مركزًا لبطريركية الإسكندرية ، التي كانت واحدة من المراكز الرئيسية للمسيحية في الإمبراطورية الرومانية الشرقية . في العالم الحديث، تدعي كل من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في الإسكندرية هذا التراث القديم. بحلول عام ٦٤١م، كانت المدينة قد تعرضت بالفعل للنهب إلى حد كبير وفقدت أهميتها قبل أن تظهر مرة أخرى في العصر الحديث. منذ أواخر القرن الثامن عشر، أصبحت الإسكندرية مركزًا رئيسيًا لصناعة الشحن الدولي وواحدة من أهم مراكز التجارة في العالم، وذلك لأنها استفادت من الاتصال البري السهل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والتجارة المربحة في القطر المصري 

يُظهر تأريخ الكربون المشع لشظايا الأصداف البحرية والتلوث بالرصاص نشاطًا بشريًا في الموقع خلال فترة المملكة القديمة (القرنين ٢١و٢٧ قبل الميلاد… ومرة أخرى في الفترة من ٨٠٠ الي ١٠٠٠ قبل الميلاد، يليه غياب النشاط بعد ذلك.  من المعروف من المصادر القديمة أنه كان هناك مركز تجاري موجود في هذا الموقع خلال فترة رمسيس الكبير للتجارة مع جزيرة كريت ، لكنه فقد منذ فترة طويلة بحلول وقت وصول الإسكندر.              كانت هناك قرية صيد مصرية صغيرة تُدعى راكوتيس  باللغة المصرية القديمةموجودة منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد في المنطقة المجاورة لهذا المركز التجاري غرب الاسكندرية ونمت في النهاية لتصبح الحي المصري من المدينة.  إلى الشرق من الإسكندرية مباشرة (حيث يوجد خليج أبو قير الآن)، كانت هناك في العصور القديمة مستنقعات والعديد من الجزر. في وقت مبكر من القرن السابع قبل الميلاد، كانت هناك مدن ساحلية مهمة مثل (مدينةكانوب وحي هيراكليون) تم الحديث عنها من قبل . 

أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية في أبريل ٣٣١ قبل الميلاد باسم  كواحدة من  المدن العديدة . بعد أن استولى على ساترابيا المصرية من الفرس ، أراد الإسكندر بناء مدينة يونانية كبيرة على ساحل مصر تحمل اسمه. اختار موقع الإسكندرية، متخيلًا بناء جسر إلى جزيرة فاروس القريبة من شأنه أن يولد ميناءين طبيعيين عظيمين.كان من المقصود أن تحل الإسكندرية محل مستعمرة ناوكراتيس اليونانية القديمة كمركز هلنستي في مصر وأن تكون حلقة الوصل بين اليونان ووادي النيل الغني . بعد بضعة أشهر من التأسيس، غادر الإسكندر مصر ولم يعد إلى المدينة أبدًا طوال حياته.

بعد رحيل الإسكندر، واصل نائبه كليومينس التوسع. صمم المهندس المعماري دينوقراطس الرودسي المدينة، مستخدمًا مخططًا شبكيًا . بعد وفاة الإسكندر عام ٣٢٣ قبل الميلاد، استولى قائده بطليموس  على مصر وأحضر جثمان الإسكندر معه إلى مصر.  حكم بطليموس في البداية من العاصمة المصرية القديمة ممفيس . في عامي ٣٣١-٣٣٢ قبل الميلاد، أعدم كليومينس. وأخيرًا،   في عام ٣٠٥ قبل الميلاد، أعلن بطليموس نفسه فرعونًا باسم بطليموس الأول سوتر (“المخلص”) ونقل عاصمته إلى الإسكندرية.

على الرغم من أن كليومينيس كان مسؤولاً بشكل رئيسي عن الإشراف على تطور الإسكندرية المبكر، إلا أن الهبتاستاديون والأحياء الرئيسية يبدو أنها كانت في المقام الأول من أعمال البطالمة .  وأصبحت مركزًا للتجارة الجديدة بين أوروبا والشرق العربي والهندي، ونمت في أقل من جيل لتصبح  الإسكندرية أكبر مدينة في العالم، ولعدة قرون أخرى، احتلت المرتبة الثانية بعد روما. أصبحت المدينة اليونانية الرئيسية في مصر، حيث سكنها يونانيون من خلفيات متنوعة. 

حافظ البطالمة الأوائل على نظامها وشجعوا تطوير متحفها إلى المركز الهلنستي الرائد للتعلم ( مكتبة الإسكندرية ، التي واجهت الدمار أثناء حصار قيصر للإسكندرية في عام ٤٧ قبل الميلاد)، لكنهم كانوا حريصين على الحفاظ على التمييز بين أكبر ثلاث عرقيات من سكانها: اليونانية والمصرية واليهودية.  بحلول شهر أغسطس ، شملت شبكة المدينة مساحة ١٠ كم  وكان إجمالي عدد السكان خلال العهد الروماني حوالي ٥٠٠٠٠٠-٦٠٠٠٠٠، والذي من شأنه أن يتزايد ويتناقص على مدار القرون الأربعة التالية تحت الحكم الروماني. 

وفقًا لفيلو السكندري ، اندلعت اضطرابات بين اليهود والمواطنين اليونانيين في الإسكندرية في عام ٣٨ م أثناء زيارة الملك أغريبا الأول إلى الإسكندرية، وكان السبب الرئيسي هو احترام الأمة الهيرودية للإمبراطور الروماني ، والتي تصاعدت بسرعة إلى مواجهات مفتوحة وعنف بين المجموعتين العرقيتين وتدنيس المعابد اليهودية في الإسكندرية. وقد أُطلق على هذا الحدث اسم مذابح الإسكندرية . وقد تم قمع العنف بعد تدخل كاليجولا وإبعاد الحاكم الروماني فلاكوس من المدينة. في عام ١١٥ ميلاديًا، دُمرت أجزاء كبيرة من الإسكندرية خلال ثورة الشتات ، مما أتاح لهادريان ومهندسه المعماري ديكريانوس فرصة إعادة بنائها. في عام ٢١٥ ميلاديًا، زار الإمبراطور كاراكالا المدينة، وبسبب بعض الهجاءات المهينة التي وجهها إليه السكان، أمر قواته فجأةً بإعدام جميع الشباب القادرين على حمل السلاح. في ٢١ يوليو ٣٦٥ ميلاديًا، دُمرت الإسكندرية بسبب   زلزال كريت  بقيت مدينة الإسكندرية  قرابة ألف عام أي منذ إنشائها حتى الفتح العربي عاصمة لمصر وحين اتخذت مصر  الفسطاط عاصمة بقى للإسكندرية دورها الحضاري المؤثر لا في تاريخ مصر العام فحسب وإنما في تاريخ حوض البحر المتوسط بعامة وساعدها موقعها المتميز في القيام بهذا الدور وأتاحت لها إمكانيتها الاقتصادية مواصلة هذا الدور بكافية واقتدار

لقد امتزج في الإسكندرية  خليط من الجنود المقدونيين ثم الرومان والقساوسة المصريين والأرستقراطيين الإغريق والبحارة الفينيقيين والتجار اليهود فضلا عن زوارها من الهنود والأفارقة وكان هذا الخليط يعيش داخل المدينة القديمة في انسجام واحترام متبادل إبان ازدهار الإسكندرية وعظمتها إذ كانت بحق بوتقة تنصهر فيها الأجناس وتلتقي فيها الحضارات ويتدارس العلماء والمفكرون قضايا عصرهم في هذا المناخ المتميز نشأت وتطورت جامعتها القديمة التي كانت أعظم ما في هذه المدينة

 وقد شهد القرن الثالث قبل الميلاد أعظم عصور الازدهار العلمي التي عرفتها الحضارة القديمة فقد أخذ علماء الإسكندرية  في الكشف عن طبيعة الكون وتوصلوا إلى فهم الكثير من القوى الطبيعية ودرسوا الفيزياء وما كان ذلك ليتم لولا مساندة القصر الإمبراطوري المادية للأبحاث  العلمية ففي هذا العهد تدارس الباحثون الفيزياء والفلك والجغرافيا والهندسة والرياضيات فضلا عن التاريخ الطبيعي والطب والأدب

ويحق للإسكندرية أن تفخر باقليدس عالم الهندسة الذي تخرج على يديه أعظم الرياضيين مثل أرشميدس وأبولونيوس كما يحق لها أن تفخر بهيروفيلوس في علم الطب والتشريح وإيراسيستراتوس في علم الجراحة وإريستاخوس في علم الفلك وإيراتوستنيس في علم الجغرافيا وثيوفراستوس في علم النبات وكاليماخوس وثيوكريتوس في الشعر والأدب وعشرات غيرهم كان لهم فضل عظيم على تراث الإنسانية وفي الإسكندرية  دون مانيتون تاريخ مصر وظهرت الترجمة السبعينية للعهد القديم ومن الإسكندرية  انتقلت الديانة المصرية إلى حضارة اليونان وفلسفتهم وخرجت الإسكندرية  عددا من الفلاسفة المشهود لهم في تاريخ الفكر مثل فيلون وأفلوطين .

وعندما اضمحلت إمبراطورية الإسكندر ودار الزمن على جامعتها ظلت مدينة الإسكندرية  كما كانت درة هذه الإمبراطورية والأمينة على تراث عصر ازدهارها الحضاري وورث الرومان هذا التراث وزادوا عليه وحفظت الإسكندرية  كل هذا التراث ودخلت به العصر المسيحي

وفي العصر المسيحي يحق للإسكندرية أن تفاخر من جديد بأنها كانت كعبة التفكير المسيحي فذاعت شهرة كبار أساتذتها في اللاهوت ومنهم كليمنس وأوريجينيس وبعد أن انتصرت المسيحية على الوثنية غدت الإسكندرية  العاصمة الروحية للعالم المسيحي فقد تزعمت مذهب الوحدانية ثم وقع بينها وبين بيزنطة صراع مذهبي تبلورت خلاله آمال المصريين في الاستقلال ونمت لدى سكانها الرغبة في التخلص من كل ماهو إغريقي والتمسك بكل ماهو مصري 

في عام ٦١٩ سقطت الإسكندرية في أيدي الفرس الساسانيين . لم تتضرر المدينة في الغالب من الفتح وتم تشييد قصر جديد يسمى تراووس في الجزء الشرقي من المدينة، والذي عُرف لاحقًا باسم قصر فاروس، “حصن الفرس”. وعلى الرغم من أن الإمبراطور البيزنطي هرقل استعادها في عام ٦٢٩ إلا أن العرب بقيادة القائد عمرو بن العاص غزوها في عام ٦٤١ أثناء الفتح الإسلامي لمصر ، بعد حصار استمر ١٤ شهرًا. وكان أول حاكم عربي لمصر يُسجل أنه زار الإسكندرية هو عتبة بن أبي سفيان ، الذي عزز الوجود العربي وبنى قصرًا للحاكم في المدينة في عامي ٦٦٤-٦٦٥ 

في إشارة إلى الإسكندرية، يتحدث ابن بطوطة عن عدد من الأولياء المسلمين الذين أقاموا في المدينة. وكان أحد هؤلاء الأولياءابو العباس المرسي وتلامذته   ياقوت العرشي،البوصيرى  يكتب ابن بطوطة أيضًا عن أبو عبد الله المرشدي، وهو ولي عاش في منية ابن مرشد. وعلى الرغم من أن المرشدي عاش في عزلة، إلا أن ابن بطوطة يكتب أنه كان يزوره بانتظام الحشود وكبار مسؤولي الدولة وحتى سلطان مصر في ذلك الوقت، الناصر محمد . وفي العصر الإسلامي احتلت الإسكندرية  مكانة مرموقة فأصبحت أهم قاعدة بحرية في شرق البحر المتوسط فضلا عن إمكانياتها الجغرافية والتاريخية في وصل الشرق بالغرب فازدهرت اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وازدهر عمرانها الإسلامي ممثلا في المدارس والمساجد والقصور والدور والفنادق والأسوار والأبراج والحصون

وفي نهاية القرن الثاني الهجري كانت الإسكندرية  أهم مركز للمذهب المالكي فكانت معبرا يصل بين الأندلس في الغرب ومكة في الشرق كما كانت مزارا ودار هجرة لعدد من المترجمين العرب الذين وفدوا لتعلم اللغة اليونانية في القرنين الثالث والرابع الهجريين وكان حنين بن إسحاق من زوارها المشهورين وظلت في العصر العربي محافظة على التقاليد والثقافة الإسلامية واشتهرت خلال القرن السادس الهجري بمدرستيها السنتين المدرسة الصوفية والمدرسة السلفية

وفي العصر الأيوبي أهتم صلاح الدين بالمدرسة السلفية وأنشأ مدرسة جديدة عام ٥٧٦هـ/١١٨٠م

 وفي العصر المملوكي بلغت الإسكندرية  ذروة تقدمها العمراني وكثرت فيها دور الحديث الشريف التي كانت مدارس حقيقية للفقه والتفسير والأصول ومن أشهر مشايخ الإسكندرية  أبو الحسن الشاذلي وعبد الكريم بن عطاء الله السكندري وأبوعبدالله المعا فرى الشاطبى والعلامة الصالح أبو العباس المرسى وابن المنير وازدهرت الإسكندرية  في العصر الإسلامي حتى قيل إنه لا تبطل القراءة فيها ولا طلب العلم ليلا ولا نهارا ومن شعرائها ابن قلا قس وفيها وجد رواد الأدب الشعبي مجالا خصبا لمادتهم القصصية وكان من أثر ذلك كله أن طبعت المدينة بطابعها الشرقي والغربي معا كقصة طريفة من قصص ألف ليلة وليلة.  وفي عصر محمد على ازدهرت مدينة الإسكندرية مرة أخرى وازدهر ميناؤها ودبت فيه الحياة والنشاط وسمحت مصر للسفن الأوروبية بالرسو في الميناء الغربي الذي يعتبر من هذه الناحية أصلح من الميناء الشرقي مما شجع على زيادة التبادل التجاري بين الإسكندرية ودول أوروبا وبعد ذلك أصبح الميناء الغربي هو الميناء الرسمي للإسكندرية منارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم ,كانت تسمى فاروس “Pharos”، موقعها كان على طرف شبه جزيرة فاروس وهي المكان الحالي لقلعة قايتباي في مدينة الأسكندرية في مصر. تعتبر أول منارة في العالم أقامها سوسترات في عهد “بطليموس الثاني” عام 270 ق.م وترتفع 120 مترا ودمرت في زلزال عام 1323.الثابت تاريخياً أن فنار الإسكندرية التي كانت من عجائب الدنيا السبع، قد أُنشأت عام ٢٨٠ ق.م، في عصر “بطليموس الثاني”، وقد بناها المعماري الإغريقي “سوستراتوس”، وكان طولها البالغ مائةً وعشرين متراً، ويعتقد البعض أن الحجارة المستخدمة في بناء قلعة قايتباي هي من أحجار الفنار المدمر، كما أن موقع القلعة هو ذاته موقع فنار المنهار، وقد وصف “المسعودي”، في عام ٩٤٤ م، الفنار وصفاً أميناً، وقدَّر ارتفاعها بحوالي ٢٣٠ ذراعاً. وقد حدث زلزال ١٣٠٣ م في عهد السلطان “الناصر محمد بن قلاوون”، فضرب شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها. زار ابن بطوطة أيضًا منارة فاروس في مناسبتين: في عام ١٣٢٦ وجدها مدمرة جزئيًا وفي عام ١٣٤٩ تدهورت إلى درجة أنه لم يعد من الممكن دخولها. 

وفرت سلطنة المماليك وسائل راحة للتجار الأوروبيين للإقامة في مدينتي الميناء الإسكندرية ودمياط ، لذلك تم بناء الفنادق ووضعها تحت تصرف التجار حتى يتمكنوا من العيش وفقًا للنمط الذي اعتادوا عليه في بلادهم. فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها في التجارة الدولية بعد أن اكتشف الملاحون البرتغاليون طريقًا بحريًا جديدًا إلى الهند في أواخر القرن الخامس عشر. وقد أدى ذلك إلى تقليل كمية البضائع التي يلزم نقلها عبر ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى القوة السياسية للمماليك.  بعد معركة الريدانية عام١٥١٧، غزا الأتراك العثمانيون المدينة وظلت تحت الحكم العثماني حتى عام ١٧٨٩. فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها السابقة لمدينة الميناء المصرية رشيد خلال القرنين التاسع والثامن عشر، ولم تستعد أهميتها السابقة إلا مع بناء قناة المحمودية عام ١٨٢٠. 

لعبت الإسكندرية دورًا بارزًا في العمليات العسكرية لحملة نابليون على مصر عام ١٧٩٨. اقتحمت القوات الفرنسية المدينة في.  

 ٢ يوليو ١٧٩٨، وظلت في أيديهم حتى وصول الحملة البريطانية عام ١٨٠١. حقق البريطانيون نصرًا كبيرًا على الفرنسيين في معركة الإسكندرية في ٢١ مارس ١٨٠١، وبعد ذلك حاصروا المدينة ، التي سقطت في أيديهم في ٢ سبتمبر ١٨٠١. بدأ محمد علي ، الحاكم العثماني لمصر، إعادة البناء وإعادة التطوير حوالي عام ١٨١٠، وبحلول عام ١٨٥٠، عادت الإسكندرية إلى شيء يشبه مجدها السابق.  اتجهت مصر إلى أوروبا في جهودها لتحديث البلاد. بدأ اليونانيون، وتبعهم الأوروبيون الآخرون وغيرهم، في الانتقال إلى المدينة. في أوائل القرن العشرين، أصبحت المدينة موطنًا للروائيين والشعراء. 

في يوليو١٨٨٢ ، تعرضت المدينة لقصف من قبل القوات البحرية البريطانية وتم احتلالها. 

في يوليو ١٩٥٤، كانت المدينة هدفًا لحملة قصف إسرائيلية عُرفت لاحقًا باسم ” فضيحة لافون” . وفي ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، شهد ميدان المنشية بالإسكندرية محاولة اغتيال فاشلة لجمال عبد الناصر . 

بدأ الأوروبيون بمغادرة الإسكندرية في أعقاب أزمة السويس عام ١٩٥٦ التي أدت إلى تفجر القومية العربية . وأدى تأميم  الممتلكات، الذي بلغ ذروته عام ١٩٦١، إلى نزوح معظم السكان وفي عام ١٩٦٦ تم إنشاء الهيئة العامة لميناء الإسكندرية وأصبح الميناء الشرقي الآن قاصرا على مراكب الصيد الصغيرة وعلى السباقات المائية ورياضة اليخوت حيث يطل عليه من ناحية القلعة نادي الصيد ونادي اليخت اللذان يستغلان مياهه في الرياضات المائية المتنوعة .


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *