الحدود الفاصلة بين نجاح العلاقات الزوجية أو فشلها

صورة واتساب بتاريخ 1447 04 18 في 01.03.52 11d61852

الحدود الفاصلة بين نجاح العلاقات الزوجية أو فشلها

بقلم الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي

 

صورة واتساب بتاريخ 1447 03 12 في 23.11.50 f6003fd5


العلاقة الزوجية كما نراها مثلها كمثل أي علاقة إنسانية أخري ، أشبه بالنبت أو الشجرة الي لا يمكننا أن نتوقف عن رعايتها وإلا تذبل وتموت . وكما أن الرعاية الدائمة هي في الأساس الشرط الضروري لنمو النبت ووفرة الثمرة فيما بعد ، فإن العلاقة الأسرية المثمرة والناجحة هي أيضا نتاج طبيعي لما نبذل فيها من رعاية وتعزيز دائم لنموها . وقد أجريت بهذا الصدد دراسات متعددة من بينها دراسة مشهورة علي ألف حالة طلاق تبين للباحث النفسي الأمريكي جورج أونيل وزوجته “ Nena O’Neill, George O’Neill “ في كتابهما ” زواج العمر ” ، أن من الأخطاء التي يرتكبها بعض الأزواج أن يقدم علي الزواج وفي ذهنه اعتقاد راسخ أن الزواج عقد أبدي مضمون لا ينفصم . ولعل أسوأ ما يحمله هذا الاعتقاد أنه يدفعنا الي أن نهمل في تقويته وتعزيزه . وقد اتفقت نتائج الدرسات في هذا الموضوع في الوصول الي بعض المباديء التي تحكم النجاح والفشل في العلاقة بين الزوجين ، ومن جملة قواعد النجاح:


* الناجحون في علاقاتهم الزوجية يعرفون أن العلاقة الزوجية تحتاج للرعاية والتعزيز ومن ثم ، نجد لديهم وعيا بأن إدارة شئون الحياة الزوجية بنجاح وفاعلية تنطوي علي قدر هائل من المسئولية التي ينبغي علي كل طرف من أطراف الأسرة أن يشارك فيها . ومن جملة الاعتقادات الخاطئة بهذا المعني أن يفكر أحد الطرفين أن الزواج كله سعادة وهناء وراحة ، وينسي أن للحياة الزوجية أزماتها التي لا يمكن تجاوزها إلا بالمشاركة والمسؤولية .


* الناجحون في حياتهم الزوجية يتشابهون من حيث أنهم يدركون أن التغلب علي الصعوبات مرهون أيضا بتعاون جميع الأطراف في الحل ، أي أنه لا يجب أن نحمل طرفا واحدا بمفرده أو بمفردها كامل المسؤولية لتحقيق ذلك . فكل طرف يحتاج لمن يقاسمه مسؤولية التغيير وإنجاح العلاقة .


* ومن جملة الاعتقادات الإيجابية التي تبين أنها تصف الحياة الزوجية الناجحة ، أننا بمقدار ما نبدي من تقدير للطرف الآخر بمقدار ما نحصل علي الاستجابات نفسها . بعبارة أخري فإن إحساس شريك الحياة الزوجية بالسعادة والرضا وتقديرك له أو لها سيولد رغبة مماثلة في خلق مناخ ثري من الناحية الوجدانية والتقدير . ومن المؤكد أن مثل هذا المناخ سيساعد علي تخفيف التوتر والضغوط الأسرية خاصة في المواقف الصعبة التي تحتاج الأسرة خلالها لتتضافر الجهود لإعادة السلام والفعلية للأسرة .


* ويتعامل  الناجحون في العلاقات الأسرية في مواجهة المواقف الصعبة بشكل مختلف ، ففي المواقف الصعبة التي تتطلب العلاقات الناجحة أن نتعلم كيف ننظر للأمور بمنظور سليم ، وأن لا ندع الأمور الصغيرة تتضخم ، وأن نسيطر علي التفكير والسلوك . تكفي الصعوبة التي يخلقها الموقف والمشكلة التي تواجه الأسرة . ومن ثم فإن التحلي بالهدوء والصبر والنظر للأمور بمنظور واقعي سيجعل الحياة اكثر سلاسة وأقل مدعاة للتوتر .


* التسامح مع النفس ومع الآخرين . العلاقات الناجحة تتطلب قدرا كبيرا من التسامح مع الذات والسماحة عند التعامل مع الآخرين . فكلنا يستحق أن تغفر له بعض الأخطاء في حياته . تذكر أننا بشر وأننا كبشر قد نغضب أو يعلو صوتنا وننفعل أو نتعرض للضيق والكآبة . علينا أن نقلل من تأنيب الذات طالما أن هذه المواقف قد حدثت في ظروف معينة ولم تؤذ أحداهن حولك . إن الرغبة في الكمال الشديد أحيانا تجعلنا نعنف علي ذواتنا وللأسف فإنها لا تشجع في نهاية الأمر علي توقف الخطأ والسلوك الضار بالعلاقة بل ربما تزيد منه بسبب أن التركيز علي الأخطاء يجعلنا دائما متبعين للخطأ وليس التصرف السليم مع النفس ومع الآخرين .


* ومن جملة الأمور التي تساعد علي نجاح العلاقات الزوجية أن نصغي للطرف الآخر  . ألاحظ شخصيا أن من أكثر الشكاوي التي تدفع الزوجات لطلب العلاج النفسي ترتبط دائما بالزوج الذي لا يسمع ولا يصغي لهن ؟

الحقيقة أن الاستماع للغير خاصية تميز الأسر الناجحة والعلاقات الزوجية الفعالة . فالإصغاء الجيد يعالج كثيرا من المشكلات في العلاقة الزوجية ، ويؤتي ثمارا أكيدة في تحسين العلاقات وتكاملها . فهناك بحث أجري في الولايات المتحدة أشارت الغالبية العظمي من الأزواج والزوجات في الأسر الناجحة الي أن السبب الرئيسي يرجع لقدرة الطرف الآخر علي الاستماع وتغيير السلوك المثير للضيق بعد مناقشته معا .


* كما أن الأزواج والزوجات في الأسر الناجحة لا يزعجهم بشدة الشجار والخلافات ، بل قد يكون الخلاف من وجهة نظر الواحد أو الواحدة فرصة للتغيير . صحيح إن كثرة المشاجرة والجدال في الأسرة والتعبير عن اختلاف وجهات النظر بشدة وانفعالية تعتبر وقودا للمشكلات الأسرية والصراعات . ولكن الأمر لن يخلو من الشجار مع الطرف الآخر أو من الشجار بين الإخوة والأطفال . لهذا فمن الأفضل عدم التعبير بالانزعاج الشديد من الشجار وخلافات الرأي ، ومن الأفضل أن نراها فرصة للتحاور ومعرفة الأسباب التي ترتبط بالمشاجرة . وبالرغم من أن هذه نصيحة يسهل قولها ولا يسهل تنفيذها ، فإنه لا يوجد بديل لها . وقد وجدت في مجال الممارسة المهنية أن القيام بجلسة أسرية بعد مواقف الشجار الحادة في داخل الأسرة ضرورة يتطلبها العلاج الأسري الناجح ، لأنها تساعد علي تكشف الأخطاء التي ارتبكت ، وتعطي إحساسا بالامان بدلا من مشاعر التهديد التي ارتبطت بالمشاجرة ، فضلا عن أنها تدعم الجوانب العاقلة من السلوك بما فيها التفاوض لحل المشكلات بدلا من تفاقمها ، والتنبه مبكرا للأمور المرتبطة بالمشاجرات الأسرية لتجنبها فيما بعد .


* تقبل الاختلافات في الطبع فلكل منا شخصيته المتميزة ونظرته الخاصة للحياة ، وكل منا يحب أشياء ويكره أشياء أخري قد تتفق أو تختلف مع مانحب أو نكره . وكل منا له أساليبه في إدراك الأمور وتطورها ووزنها من حيث أهميتها له أو لها . وليس من المطلوب في العلاقة الزوجية أن تكون شخصياتنا متطابقة وتفكيرنا في الأمور موحدا . ومع ذلك أكتشف دائما أن نسبة كبيرة من المشكلات الأسرية والاحباطات تنبع من رغبتنا في تغيير شخصية الآخر ، وعندما نكتشف أن ذلك أمرا لا يتحقق نتعرض لمزيد من الاحباط ، أو مزيد من الغضب علي الطرف الآخر . وهو ما يقود تلقائيا الي دائرة العنف وتأكيد الاختلاف من أجل الاختلاف .                                                                                                                                   علينا أن نتذكر أن كل منا يعيش في واقع مستقل من الناحية النفسية ، وأن العوامل التي أثرت في شخصيتي تختلف عن العوامل التي تؤثر في الآخر . وهذا ما يجعل شخصياتنا مختلفة وتفسيرنا للأحداث وتصرفات الناس مختلفة عن الآخر . تذكر أن الاختلاف في الطباع والشخصية جزء لا يتجزأ من المصير البشري وأنه سنة رئيسية من سنن الحياة والمجتمعات . تذكر أن تقبلك لاختلاف الآخر عنك لا يعني أنك ضعيف أو أقل شأنا منه أو أن وجهة نظرك أقل شأنا من وجهة نظره . تذكر أن من حق أي إنسان رجلا كان أو امرأة أن تكون له قيمه المختلفة وآراؤه في الأمور ،وأنك باحترامك لهذه القاعدة تجعل من الطرف الآخر متقبلا لذاته ومتسامحا أيضا مع الاختلاف في الآخرين .


* في الأسر الناجحة يحترم كل فرد خصوصيته وخصوصية الآخرين من أفراد الأسرة . كل منا بالطبع له التزامات متعددة نحو الآخرين والعمل والأصدقاء ، ولهذا ينصحنا الباحثون في العلاقات الإنسانية أن نتعلم أن نمنح أسبوعيا لنفسنا وقتا خاصا نعطيه من الالتزام ما نعطيه لأي موعد آخر هام ونقضيه بالطريقة الملائمة في استرخاء وهدوء أو تأمل . ستجد أن هذا الوقت سيعيد التوازن لك في كثير من الامور ويقلل من انفعالاتك ومشاعر الإحباط المتوقعة .


* وفي النهاية تذكر أن كثيرا من الضغوط والتوترات تأتي من أمور صغيرة لا نستطيع أن نغيرها ، فمعظم النار يأتي من مستصغر الشرر .. ومن أمور ليس بإمكاننا حتي أن نسيطر عليها ، الضوضاء والفوضى التي تحدث علي نحو مقصود أو غير مقصود في المنزل . ولهذا يتبني الأزواج في الأسر الناجحة  أساليب مقصودة أو عفوية تساعد علي تغيير الموضوعات المحتدمة أو المناقشات الدائرية الساخنة . ويعتبر المرح والحس الفكاهي من أحد هذه الأساليب . فالمرح والحس الفكاهي من الأساليب الهامة لإذابة مشاعر التوتر التي قد تنجم عند مواجهة مواقف صعبة أو عند الدخول في مناقشات دائرية مغلقة أو مجادلات يدعي خلالها كل طرف أنه علي حق . في مثل هذه المواقف تساعد إثارة الحس الفكاهي والمرح علي تغيير الموضوع وتوجيه الأطراف الي موضوع آخر أقل إثارة للتوتر والحدة الانفعالية المرافقة للموقف المتأزم .


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *