
الزواج والسعادة
بقلم الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي

تُبنى العلاقة الزوجية، في الظروف الطبيعية السليمة، على التقبّل والمحبّة. والعلاقات القائمة على الحب، ببساطة، هي تلك التي يُتيح فيها كل طرف للطرف الآخر حرية النمو، وحرية اختيار ما يراه صالحًا له أو لها، دون عقبات أو شروط أو إملاءات. ولهذا، يصف أحد العلماء العلاقة الأسرية بأنها رابطة تتسم بالبساطة، وتجمع بين أطراف يتبادلون الحب والتقبّل إلى الحد الذي يُعين كل طرف على أن يكون ما أراد، أو ما اختار لنفسه من تطلّع ونمو نحو الأفضل.
وللحب معانٍ كثيرة، ومهما اختلفت هذه المعاني، فإن العلاقة الأسرية تُشبعها من زوايا متعددة. فمثلًا، تميّز بحوث علم النفس بين ثلاثة أنواع من الحب:
حبنا للأشخاص الذين يمنحوننا التقبّل والراحة، ويمدّون لنا يد العون عند الحاجة. ويُعدّ حب الأطفال لوالديهم من أبرز النماذج على ذلك، إذ يرتبط حبهم بما يقدّمه الآباء والأمهات من إحساس بالأمان والطمأنينة والدعم.
الحب الذي نشعر به تجاه من يعتمدون علينا لإشباع حاجاتهم للحب والبقاء، كحب الآباء للأبناء، أو حبنا للمرضى والمعوّقين وغيرهم ممن نعتقد أنهم بحاجة إلينا.
الحب العاطفي القائم على تقبّل طرف آخر نراه تجسيدًا لمُثلنا وقيمنا الأساسية في الحياة. وعندما نحمل هذا النوع من الحب لشخص ما، فإننا نرى فيه نقاط القوة، ونتغافل عن مواطن الضعف أو النقص. ويُعدّ الحب العاطفي (الرومانسي) من أبرز صور هذا النوع.
ولا توجد، في حدود علمنا، علاقة اجتماعية تُشبع حاجتنا إلى الحب بأنواعه الثلاثة مجتمعة، كما تفعل العلاقة الأسرية. فهي تمنحنا التقبّل والأمان، وتُرضي رغبتنا في أن نكون عند حسن ظن من يعتمدون علينا، فنمدّ لهم يد الرعاية والعناية. فضلًا عن أن العلاقة الزوجية تُرضي حاجتنا لتبادل العواطف، وإشباع الرغبات الجنسية والعاطفية معًا.
وأهم من تعريف الحب، أن نتعرّف على أنماط السلوك التي تصفه وتميّزه. فقد كشفت البحوث أن للأسر السعيدة أنماطًا واضحة من السلوك، وممارسات دالة على التواصل والحميمية وتقبّل الآخر.
ففي دراسة للعالم الإنجليزي “أرجايل”، تبيّن أن من أبرز سمات الحب بين الزوجين: التقارب الجسدي، والاستثارة الجنسية، حتى وإن لم تنتهِ إلى المعاشرة الفورية. وقد أكّدت دراسات أخرى هذه النتيجة، وأظهرت أن أكثر ما يميّز الزيجات السعيدة هو كثرة السلوكيات الدالة على الحب، كتبادل القبل، وتقديم العون، وقضاء وقت أطول معًا، والاتفاق في الأمور المالية وأوقات الفراغ.
وتبرز أنماط السلوك الدالة على تقبّل الجنس الآخر بشكل خاص كعامل مهم في التعرف على الأزواج السعداء، بما في ذلك عدد مرات المعاشرة الجنسية، والتواصل البصري، وتبادل القبل، وسهولة الاستثارة الجنسية.
ومن هنا، تنبع أهمية العلاقة الأسرية، خاصة إذا اتسمت علاقات أفرادها بالتعاون والمودّة؛ إذ تصبح حينئذٍ مصدرًا خصبًا للسعادة والرضا وتكامل الشخصية. وكدليل على ذلك، أجرينا دراسة بحثية في إحدى الدول العربية ، شملت نحو ٣٠٠ شخص من الطلاب والموظفين من جنسيات مختلفة، يعيشون جميعًا في مجتمع واحد. وكان السؤال بسيطًا:
هل تشعر بالرضا والسعادة عن حياتك هذه الأيام؟
وكما توقّعنا، أجاب المتزوجون بالإيجاب بنسبة أعلى من غير المتزوجين؛ إذ ذكر ٣٥٪ منهم أنهم في غاية السعادة، مقابل ١٨٪ فقط من غير المتزوجين. وتتفق هذه النتيجة مع نتائج بحوث أخرى أُجريت في مجتمعات غربية وشرقية، حتى إن العالم النفسي الأمريكي “سيلجمان” ذكر صراحة أن المتزوجين، مهما اختلفت انتماءاتهم القومية أو العرقية، عبّروا عن مشاعر رضا وسعادة بدرجة أعلى من غير المتزوجين داخل أي مجتمع. وبالمثل، لم تختلف الحضارات الإنسانية في هذه النتيجة، كما أظهرت دراسة مقارنة بين المتزوجين وغير المتزوجين في ١٧ دولة من دول الشرق والغرب.
فالحياة الأسرية، إذن، عامل مهم من عوامل السعادة الشخصية والرضا، ويزداد أثرها في تحقيق ذلك إذا اتسمت العلاقات فيها بالاستقرار والتكامل. وقد بيّنت الدراسات التي قارنت بين عوامل السعادة أن الاستقرار الأسري يلعب دورًا أهم من الاستقرار المادي أو المهني، وإن كان تضافر هذه العوامل جميعًا هو الأفضل بالطبع لتحقيق السعادة الإنسانية، مقارنة بأي عامل منفرد.
كلمة أخيرة عن دور العلاقات الأسرية في تحقيق السعادة والرضا العام عن الحياة:
ماذا عن الأمراض النفسية والاضطرابات؟
النتائج أيضًا تتسق مع ما سبق ذكره؛ إذ تشير الدراسات إلى أن انتشار الأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق، أقل بين المتزوجين مقارنة بغير المتزوجين أو المطلقين والمطلقات.