الطلاق ليس دائماً الحل الأفضل
بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي
جاءتني إلى العيادة النفسية سيدة متزوجة، أنيقة وجذابة، يظهر عليها اهتمام شديد باختيار كلماتها بدقة بما يتناسب مع شخصيتها الجادة. علمت منها أنها تعمل كمديرة لإحدى المؤسسات التعليمية المعروفة. بدأت الحديث عن سبب مجيئها للاستشارة النفسية وقالت:
“أنا على وشك الطلاق من زوجي للمرة الثالثة، وستكون الأخيرة للأسف، ولا أرغب ولا أريد أن يحدث ذلك. تزوجت منذ أكثر من ١٦ عامًا، وتم طلاقي من زوجي مرتين من قبل، وكنا نعود بلهفة لمواصلة حياتنا الزوجية، ولكن لا يمر الكثير من الوقت حتى نجد أنفسنا نواجه نفس المشاكل التي انفصلنا بسببها في المرات السابقة، فنجدها تتكرر وتعود بأشكالها السيئة.”
توقفت لبعض الوقت عن الحديث ثم تنهدت وجمعت أنفاسها، وكأنها تتذكر أشياء مؤلمة مرت بها، وقالت: “مررت بالكثير من المواقف الصعبة في حياتي معه، خياناته المتكررة لي مع بعض صديقاتي، وحدثته وعاتبته كثيرًا، ولكن عادةً ما يكون الرد بكلمات مهينة وشتائم وألفاظ غير لائقة لزوجة محترمة أن تسمعها من زوجها. بل كان يتمادى في الانفعال السيء ويصل الأمر إلى التهجم عليّ بشكل عنيف والضرب المبرح على الوجه والرأس. كنت أخاف على نفسي وأحاول الابتعاد عنه حتى يهدأ، وأطلب منه أن يتوقف ويمتنع عن ممارساته هذه العنيفة والمؤذية لي جسديًا ونفسيًا في نفس الوقت، ولكن لم تكن هناك فائدة. بالإضافة إلى ذلك، زوجي غير مستقر في عمله ويشعر دائمًا بأنه غير مقدر أو مرغوب فيه لدى مديره. يعاني من الضيق والهموم دائمًا، ولا يتقبل نفسه أبدًا، سريع ودائم الغضب، ومزاجه متقلب، وأصبحت حياتنا سلسلة من المشاكل التي لا تنتهي.” ثم توقفت عن الحديث.
تساءلت من جانبي محاولة الاستفسار عن سبب تمسكها به وعدم رغبتها في الطلاق للمرة الثالثة والأخيرة كما قالت في بداية حديثها في جلستنا الاستشارية؟
قالت: “تزوجنا عن حب، وما زلت أراه الزوج الذي أريد استمرار حياتي معه، كما أنه أبو أولادي الخمسة، ولن يكون هناك أي رجل في حياتهم غيره، فهو زوجي وأب لأبنائي.”
قلت لها على الفور: “إذن من الواضح أن لديك رغبة قوية في استمرار حياتك الزوجية مع هذا الزوج رغم المشاكل التي تواجهك معه؟”
ردت بصعوبة كبيرة: “نعم، أنا في حيرة كبيرة من أمري، ولا أدري ماذا يمكنني أن أفعل؟ أو كيف يمكنني أن أتعامل مع هذه المشاكل الكثيرة؟ خاصةً أن لدي ابنة في الخامسة عشرة من عمرها، ويؤلمها رؤية مشاكلنا المتكررة، وتتجنب حتى الحديث عنها معي.”
وهنا توقفت وسألت: “هل لديك استعداد كافٍ لكي تقومي بجهد علاجي موجه من خلال جلسات علاجية أسرية وزوجية حتى يمكنني مساعدتك على تعديل تلك المشاكل التي تواجهينها في حياتك؟ يمكنك من خلال جلسات علاجية مركزة تعلم كيفية التعامل المناسب والموجه إلى التعرف بدقة على أسباب حدوث تلك المشاكل الزوجية ومحاولة إيجاد حلول مرضية لك ولزوجك حتى يمكنكما التغلب عليها، وبالتالي تقام حياتكما على أساسيات سليمة تكفل لك حقوقك وحقوق زوجك وأبنائكما، سعيًا لحياة أقرب إلى الاستقرار والهدوء وعدم الخوف والقلق من وجود مشاكل غير متوقعة إلا الطبيعية في حياة كل منا.”
كانت استجابة هذه الزوجة كافية جدًا لتأخذنا في رحلة علاجية لمواجهة مشاكل حياتهم الزوجية، استمرت عدة شهور وأسفرت عن نتائج كثيرة وكانت جيدة للغاية.
وأتوقف هنا لتوضيح عدد من النقاط الهامة والضرورية التي يجب التعرف عليها بنظرة علاجية لمثل هذه المشاكل الزوجية، والتي تلقى اهتمامًا كبيرًا من المختصين في مجال العلاجات الزوجية والعائلية لما لها من تأثير كبير على حياة الكثيرين منا في التغلب على الصراعات الزوجية وكيفية التعامل معها بشكل أفضل، مما يكفل للأزواج فرصة لتجنب حدوث الطلاق والانفصال ومواجهة تحديات ومشكلات متعددة فيما بعد. خاصةً عندما يكون هناك أبناء، فتصبح عبئًا عليهم وقد تمتد إلى حياة تفكك وخسائر كبيرة في مستقبلهم.
قد يكون من المفيد التركيز على بعض الحقائق العلمية التي أظهرتها الدراسات والبحوث الحديثة في مجال العلاقات الزوجية والعائلية. فمن المعروف أن من أصعب المهام التي يقوم بها الفرد في حياته هي القدرة على إنجاح وخلق حياة زوجية مستقرة وسعيدة، وكذلك تربية الأبناء ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم.
يجدر بنا أن نعلم أن معظم مشاكلنا تحدث بسبب افتقارنا لطرق التواصل السليمة في حياتنا، لاسيما أساليب التواصل الاجتماعي الفعالة التي تعتبر مهارات أساسية لحياتنا. هذه الأساليب ترسم طريقنا نحو تحقيق ما هو مفيد وتمهد الطريق لنعيش حياة طبيعية سعيدة مع المحيطين بنا وفي كل جوانب حياتنا، سواء في تعاملاتنا الشخصية، الزوجية، مع أصدقائنا، أبنائنا، أو في مجال العمل. كما تؤدي إلى تكوين علاقات اجتماعية طيبة بمجتمعاتنا.
لذلك، فإن تركيزنا على طرق التواصل الفعّال وفهمها جيدًا يمكننا من الابتعاد عن الكثير من المشاكل التي نواجهها، إذا أوليناها القدر الكافي من الاهتمام وتعلمناها بكفاءة عالية. ومن الأمور المهمة:
– الحاجة الملحة لتعلم كيفية الاستماع والإنصات الجيد، ببساطة أن نسمع ما يقوله الآخر بشكل دقيق. فهذه مهارة تحتاج إلى تركيز كبير.
– كذلك، نحتاج إلى تعلم كيفية توصيل أفكارنا ومشاعرنا بشكل صحيح ومنطقي.
– وأيضًا، كيفية التعبير عن ما نراه بواقعية وبدون مبالغات في تواصلنا مع الآخرين.
من الضروري أيضًا أن نتعلم مهارات أكثر دقة، وهي المهارات التي تمكننا من تحقيق الأهداف المرجوة في حياتنا، مثل:
– تعلم مهارات لغة الجسد.
– التعرف على كيفية فك الأجندات الغامضة التي يلجأ إليها بعض الناس في تواصلهم معنا.
– وأيضًا تعلم كيفية توصيل المعلومات الخاصة بنا للآخرين في محيطنا العائلي أو في جوانب حياتنا المختلفة.
من المهم أن ندرك أن تعلم هذه المهارات يتطلب معرفة وصبرًا وقد يحتاج إلى الوقت الكافي حتى يتم إتقانها، فلن تحدث بين ليلة وضحاها. كما أننا لا نستطيع الحصول عليها من آبائنا الذين عادة ما يكونون مشغولين بأداء أدوارهم الاجتماعية كآباء وأمهات، ولا نتعلمها في مدارسنا أيضًا لأنهم ليس لديهم وقت لها بين الفصول الدراسية المتتالية لحصول الطلبة على شهادات علمية فقط.
لذلك، يجب أن تدرج مهارات التواصل الاجتماعي الفعّال في مجالات التعليم المختلفة، وتكون ضمن الفصول الدراسية للشباب والشابات في مراحل عمرية محددة، لتؤهلهم لتعلم مهارات جديدة في تواصلهم الجيد مع الآخرين في حياتهم.
العودة إلى مشكلة الزوجة التي تم طرحها في بداية المقال
كانت خطوات العلاج الرئيسية تتضمن إرشاد الزوجة إلى طرق التفاعل الضرورية والفعالة في تواصلها مع الزوج. وكان عليها أيضًا مساعدة الزوج على التعبير بدقة عن مشاعره مثل الغضب أو الإحباط الذي يعانيه، بالإضافة إلى اختيار الوقت المناسب لتوضيح مواقف الاختلاف وإعطاء الفرصة لكلا الطرفين للاستماع الجيد وفهم مشاعرهما بهدوء وتعاطف، مع احترام احتياجات كل منهما لبعض الأمور الحياتية المرغوبة وتقبلها.
كما تم تشجيعها على عقد جلسات عائلية، التي تعرف بفعاليتها في تحسين التواصل بين أفراد الأسرة وتعرف بـ “Family Meetings”. تجمع هذه الجلسات جميع أفراد الأسرة، حيث يتم خلالها التواصل الجيد واختيار مواضيع تتطلب آراء وإعطاء قرارات تتعلق بهم كعائلة، مثل قضاء نهاية الأسبوع في أحد الأماكن المفضلة لهم، أو اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بأحد أفراد الأسرة. وقد خلقت هذه الجلسات تقاربًا دافئًا ومحببًا بينهم في إعطاء الاهتمام لأبنائهم وسماع آرائهم الخاصة التي لم يكونوا قادرين على متابعتها من قبل.
جاءتني بعد فترة عامين من توقف الجلسات العلاجية، سعيدة ومعها طفلة جميلة ذات أربعة شهور ونصف تقريبًا. عبرت عن سعادتها الكبيرة باستقرار حياتها الزوجية وبقدوم ابنتها الصغيرة، فقد كانت مصرة على اكتمال عدد أفراد أسرتها إلى ما كانت ترغب فيه دائمًا.
الطلاق بدايه كل الخلافات