الفارسة السعودية الشجاعة جيهان عبدالله هندي: معجزات تولد من رحم الإرادة و الإيمان

الفارسة السعودية الشجاعة جيهان عبدالله الهندي: معجزات تولد من رحم الإرادة و الإيمان

تقديم الدكتورة/ هيفاء إبراهيم فقيه

7/11/2024

فازت الكاتبة و الفنانة التشكيلة السعودية جيهان عبد الله الهندي
بجائزة المرأة العربية الملهمة في المؤتمر الدولى الثاني للمرأة العربية الملهمة لمبادرة (بين قطبين ) المجتمعية التي نفذتها والتي استمرّت لمدة خمسة سنوات.
تخرجت الأستاذة جيهان عبدالله هندي من كلية إعداد المعلمات بقسم العلوم والرياضيات جامعة أم القرى، كما حصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة الملك فيصل، وهي متزوجة وأم لأربع بنات. و قد حصلت على الكثير من الجوائز أثناء عملها كمعلمة و منها : جائزة الشيخ حمدان بن راشد المكتوم للأداء التعليمي المتميز لفئة المعلمة المتميزة وجائزة اليونسكو و جائزة وزارة التعليم و جائزة منطقة مكة المكرمة و جائز مجتمعية من مشروع مكة العالمية للجودة .

و هي خبيرة في هيئة تقويم التعليم و محكمة لجوائز التميز في جميع المجالات.

من بين مؤلفاتها : كتاب رحلة التميز ( أحداث وفصول الفوز بجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم لفئة المعلم المتميز )، كتاب بين قطبين : مذكرات زوجة ثنائية القطب. كتاب قاب قوسين ولون.
تعمل حاليًا منسقة العلاقات العامة والشراكات المجتمعية والمتحدث الرسمي في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية فرع مكة المكرمة.
و دعونا نستمع للأستاذة جيهان و هي تحكي قصتها العظيمة الملهمة لكل امرأة عربية  التي استحقت عنها الفوز بالجائزة :

 

”  كانت أمنيتي أن أكون طبيبة وكنت دائما أحصد المركز الأول في دراستي وخلال مرحلة الثالث الثانوي تقدم لخطبتي رجل من عائلة معروفة ونظرا لكل المؤهلات الجبارة التي كان يحملها من شهادة ومركز وظيفي عالي وشخصية متألقة وتحت إصرار أمي رحمها الله وافقت على الزواج وتناسيت أحلامي وطموحي ووعدني بأني سأحققها معه وبأنه داعمي الأول وتم الزواج وكنت أعتقد بأن الزواج هو نهاية قصة الحب التي عشناها خلال أشهر الخطبة ولم أكن أعلم بأنني قد دخلت إلى عالم بايبولار( مرض اضطراب ثنائي القطب) المخيف والمرعب والقاتل هذا أقل وصف يمكن أن أصف هذا العالم . ولعل الكثير ممن يقرؤون هذه الحكاية لا يعرفون معنى هذا العالم وهنا بدأت القصة وخلال السبعة الأشهر الأولى من الزواج كان الوضع يسير على ما يرام حينها صرت  حاملًا في ابنتي الأولى ، وفجأة حدث مالم يصدقه عقل بشر بدأ يتغير تغير جذري في سلوكه وتعامله معي ومع الآخرين سلوك لا يقبله عقل ولا منطق ولادين وبدأت الأحداث تتوالى وتتسارع وكأنها قنابل موقوتة. ُولدت خلالها ابنتي وكأني أعيش في عالم مجنون لا يعترف بالعقل تماما ومرت ستة أشهر من الأحداث الدامية … وعاد الى طبيعته وكأن شيء لم يحدث ولكنه فقد خلالها وظيفته المرموقة وعلاقاته بكل من حوله فالجميع قد تأذى من سلوكه وتصرفاته وتحمل ديونا طائلة كل هذا حصل وأنا لم أتجاوز حينها العشرين من عمري فقدنا كل شيء ولم يتبقى لنا سوى ارتباطنا وحبنا الصادق… ثم دخلت كلية إعداد المعلمات ودرست وتخرجت الأولى على دفعتي وتم تعيني مباشرة معلمة في المرحلة الابتدائية ومرت عشرة سنوات ونحن في دائرة اللاعقل وبمعنى الكلمة دائرة الجنون. كانت الهجمات والنوبات القاتلة تتكرر وتعود في نفس الوقت وكأني أشاهد فيلماً سينمائياً أمامي، وبعد أن تمر هذه الأشهر يعود إلى وضعه الطبيعي. كان المبرر الوحيد لكل ما يحدث إنه بفعل العين والحسد والسحر كما كانوا أهله يقولون ولعل لصغر سني حينها كنت أدور معهم في نفس الحلقة وبعد العشر سنوات الأولى وفى إحدى تلك النوبات الهدامة كشف الله لي الحقيقة وعرفت أن سبب حدوث كل شيء هو المرض النفسي الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هذا المرض اللعين والذي يفتك بصاحبه وأسرته فتكاً تاماً هو اضطراب في المشاعر ينتج عنه اضطراب في السلوك بمعنى الجنون تماماً ، حيث يقوم المريض حينها بما لا يتخيله عقل بشر ( سرقة / قتل / إدمان / إرهاب / علاقات مشبوهة/ بيع بيته / سيارته …. إلخ . ) وحينما ينفصل المريض عن عالمه يكون قد دخل في مرحلة الذهان وهي أخطر المراحل وخلال العام الواحد يعيش بين نوبتين : نوبة هوس  قمة النشاط بلا سيطرة ولا توجيه / ونوبة اكتئاب حادة-  نوبة الحضيض. وكان عليّ أن أتعايش مع النوبتين بكل حذر .. . وحينها أخبرني الطبيب بخطورة المرض وخاصة أن زوجي لم يتلق أي علاج خلال السنوات العشر السابقة وبأن الموضوع جدا خطير ومتعب وإنه من الصعب أن أتحمل مسؤولية التعامل مع الأدوية النفسية والمتابعة الدائمة مع الطبيب النفسي لاسيما أننى كنت أماً للمرة الثانية. أخبرته بأنني سأكون معه كظله تمامًا ولن أتخلى عنه يوماً … فكرت حينها إذا تركته كيف سيكون حاله ومن سيتابع وضعه وعلاجه واتخذت القرار مع نفسي .. وبدأت رحلتي مع هذا المرض وهذا العدو الذي فتك بحياتنا و عرضنا لشفا الهاوية سأكون له بالمرصاد طالما ربي معي. وتعلمت كيف أستطيع التحكم في هذه النوبات المهلكة بشجاعة وقوة فأنا أحارب من أجل أسرتي الصغيرة وكما هو معروف أن مريض البايبولار ( اضطراب ثنائي القطب)  يرفض فكرة انه مريض ويرفض العلاج نهائيًا وهذه أكبر مشكلة يواجهها الأهل ،لذا كنت خلال عشرين عامًا من عمري أنا من يذهب الى الطبيب ويتابع موضوع العلاج والجرعات والأدوية وحدي دون مساعدة بالإضافة إلى مهام عملي كمعلمة و فضلا عن مسؤولية تربية صغاري. ومرت السنوات ونتيجة لكل الضغوط والصدمات التي تعرضت لها والمسؤوليات التي تحملتها وحدي أصبت بمرض الفيبروميلجيا أو متلازمة الألم المزمن ( الالام جسدية مبرحة ليلاً ونهارًا في كل الجسم و إرهاق عام مع صداع مستمر . و أثناء الهجمات القوية احتاج الى التنويم داخل المستشفى لأخذ المسكنات الوريدية ، ولكني ولله الحمد لا أزال قوية فأسرتي وزوجي يحتاجون مني الكثير ولم تنته المهمة بعد …. و في ظل كل هذه الظروف الصعبة والآلام المبرحة لم أتخل عن طموحى. فقد  حققت العديد من الإنجازات المهمة والجوائز المهنية في مجال عملي كمعلمة ولله الحمد حصلت خلالها على أكثر من ٣٠٠٠ شهادة شكر من جهات مختلفة وفي مجالات متعددة وأكثر من ١٥٠٠ ساعة تدريبية كمدرب ومتدرب في تخصصات متنوعة. وقبل عشر سنوات مضت فكرت مع نفسي في كتابة قصتي لتكون الشمعة التي تضيء طريق التائهين أمثالي. و  ليتني وجدت من يخبرني يوماً بأن هناك مرضًا قاتلًا يسمى البايبولار لما خسرنا ما خسرنا ولا ضاعت  عشرة سنوات من عمرنا وسط الهلاك والعتمة. استشرت عائلتي و بناتي وزوجي  و قد رحبوا بالفكرة وتركوا لي الخيار. فلا يزال المجتمع يخشى من حاجز وصمة المرض النفسي و ربما سأقابل كثيرين ممن يرفضون فكرة الإعلان عن مرض زوجي النفسي ،ولكنني عقدت النية وتوكلت على الله وكان هدفي ورسالتي نحو مجتمعي أكبر من مصلحتي الشخصية. ولعل هذه الحكمة الإلهية من وجودي مع زوجي واختيار الله لي وبدأت بمبادرة بين قطبين المجتمعية وكانت على حسابي الخاص دون دعم من أي جهة كأول مبادرة في السعودية من قبل أسرة مريض نفسي ، و كان مفادها : 

 

١- تأليف كتابي بين قطبين مذكرات:  زوجة ثنائي القطب وطبعت ١٠٠٠ نسخة .

 

٢-  حولت قصة الكتاب الى ١٥٠ لوحة فنية تحكي أجمل قصة حب رغم صراع المرض خلالها نفذت ستة معارض شخصية سنوية تتحدث عن فكرة التعايش بنجاح مع مريض اضطراب ثنائي القطب.

 

٣- نفذت المبادرة على مدار خمس سنوات اتفقت خلالها مع مراكز للاستشارات النفسية بأسعار رمزية / اختبارات تشخيصية لاكتشاف المرض / ورش تدريبية نفسية من قبل متخصصين في الصحة النفسية مجانية / التعاون مع مجالس الحي بتنفيذ محاضرات بهدف نشر ثقافة المرض النفسي البايبولار وتخطى حاجز الوصمة / التواصل مع المرضى وذويهم للاستشارات في كيفية التعامل مع المرضى.

 

٤- سخرت حساباتي الشخصية تويتر وانستجرام لجميع المهتمين بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب ومتلازمة الفيبروميلجيا. نزلت حلقات أسبوعية في سناب تحكي قصتي في التعايش مع ثنائي القطب وكيف إن الاعتراف بالمرض منذ السنة الأولى يحتاج المريض إلى علاج لمدة ثلاث سنوات فقط ويعود إلى طبيعته. وإن تأخير العلاج قد يؤدي به إلى التهلكة . كما هو الحال معنا حيث أن زوجي وبسبب تأخير التشخيص والعلاج لا تزال النوبات الهدامة تعاوده في كل عام ولكن يمكن السيطرة عليها ولله الحمد بالأدوية والمتابعة مع الطبيب المختص .

 

٥- قدمت العديد من اللقاءات التلفزيونية.. قناة السعودية / روتانا خليجية / الإخبارية للحديث عن المرض وكيفية التعايش بنجاح مع المريض وكيف يمكن أن يكون عضو فعال وناجح في المجتمع بدل أن ينتهي المطاف به لجريمة يرتكبها أو يمضى بقية حياته في مصحة نفسية .

 

٦-قدمت العديد والكثير من اللقاءات الحضورية في مجالس الحي والأندية الأسرية والجمعيات وعلى زوم بهدف تسليط الضوء على هذا القاتل المرعب والذي يفتك بالأسر وينهي حياتهم بالإدمان والطلاق والإرهاب والجرائم بكل أنواعها .وبالرغم من كل المخاطر والألم الذي عشته خلال السبعة والثلاثين سنة مضت من عمري لم أكن بطلة هذه القصة وحدي فكان زوجي هو شريكي في هذه القصة كلانا كان هدفه أن نصل بأسرتنا وبناتنا إلى بر الأمان وأن تستمر هذه الأسرة وأن نحافظ عليها من الضياع وكان شجاعاً بما يكفي بأن ينشر قصتنا على الملأ واليوم أنا فخورة بأنني  زوجة هذا الرجل الشجاع وهذه العائلة القوية التي تخطت حاجز وصمة المرض النفسي وأقولها بصوت مرتفع أرفع يدي اليوم بلا خوف ولا خجل ولا وصمة عار وأقول في بيتي مريض نفسي يحتاج الى تقبل المجتمع ودعمه قد أكون اليوم شخصاً واحداً وغداً سنكون اثنين وبعد غد سيكون مجتمع واع يتقبل المريض النفسي ويدعمه فكما تشاركنا الحب تشاركنا الألم. واليوم نتشارك النجاح فاليوم أنا أم لثلاثة طبيبات ولله الحمد والشكر وصغيرتي لاتزال في الجامعة فخورة بنفسي وانجازاتي. واليوم أنا أتفرغ للفن والمشاركة في المعارض الفنية على الصعيد الدولي والعالمي شكراً لكم لمنحي هذه الفرصة لأقول لكم من هي جيهان.

 مع كل الحب / جيهان عبدالله الهندي

 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *