النساء وأدب الحرب والمقاومة
بقلم الأديبة و الكاتبة / نهى عاصم
1/11/2024
في فقرات ومشاهد لا تنسى في روايات وأفلام نجيب محفوظ وغيره من الأدباء، تظاهرت أكثر من ثلاثمائة سيدة بقيادة هدى شعرواي، رفضًا الاحتلال البريطاني، راياتهن كانت الهلال والصليب. كان ذلك في ١٦مارس ١٩١٩. في هذا اليوم سقطت أول شهيدة مصرية هي حميدة خليل، عندها تزايدت وتضاعفت أعداد المصريات اللائي يقاومن الاحتلال.. بعد ذلك رأينا النساء يذهب أزواجهن، وأولادهن، والأقارب إلى ساحات القتال ويبقين هن يعملن في المصانع والأراضي الزراعية وفي شتى المجالات خاصة في مجال التمريض، بل وكن يتقاسمن في بيوتهن زجاجة الزيت وأنبوبة البوتاجاز، في تنازلات لا مثيل لها، أو نراهن في ساحات القتال كالضابط النقيب رواية عطيه الملقبة ب “أم الشهداء”، أو فرحانة سلامة السيدة السناوية التي كانت تنقل السلاح والمعلومات لرجال المقاومة في حرب أكتوبر ٧٣، وغيرهن كثيرات..
قرأنا روايات كثيرة عن مدى التمازج بين الرجال والنساء في فترات الحرب والمقاومة والاستبسال مثل رواية “أبناء الصمت” لمجيد طوبيا و”الحرب في بر مصر” ليوسف القعيد و”الرصاصة لا تزال في جيبي” ومؤخرًا رواية “نساء المحمودية” الكاتب منير عتيبة التي جسدت صورة النساء في زمن الحرب وويلاته.. روايات سلطت لنا الضوء على الأم والأخت والزوجة والحبيبة قرأنا بعضها وشاهدنا بعضها الآخر وامتزجت دمعات الحزن على فقد هذا الشهيد مع دمعات الفرح بعودة ذاك العائد..
في رواية أبناء الصمت لمجيد طوبيا نرى خوف نبيلة على خطيبها- وهي تتحدث مع رئيس التحرير- بعد معلومات وردتها عن قذف العدو لميناء السويس والمنشآت الصناعية بها :
❞ نزع أحمد راجي الشريط وقرأه على عجل، مُعَلِّقًا على ما يقرأ بكلمات مبتورة ساخرة:
- رويتر في ٢٤ أكتوبر ١٩٦٧… يونيتد برس، متحدث عسكري بأن العدو الغادر»…
توقَّف متعجِّبًا:
- لا أفهم صفة «العدو الغادر» هذه، هل يريدونه أن يستأذن قبل أن يضرب؟!
ثم بعد حوار دار بينهما عن خطيبها قال:
“الضحايا من العمَّال ورجال الإطفاء والمدنيين.
ثم استدار خارجًا وتكتكات الأجهزة لا تكفُّ عن نقل أنباء العالم، بينما نبيلة تصيح مستنكرة:
- مدنيين؟! هذا فظيع!!
انطلق راجي في قهقهات عالية، لفتت أنظار كمال ووفاء المتجهين إلى صالة التحرير فالتفتا، وكان راجي قد اقترب منهما، فردَّا تحيته، ثم ابتسما لنبيلة، وقالت لها وفاء:
- مبروك يا نبيلة، موضوع جيد.
شكرتها، وأسرعت تحاذى راجي الذي أوضح لها سرَّ قهقهاته:
- مدنيين كانوا أو عسكريين… لا تفرق؛ فلا ممنوع في الحرب، وكذلك لا ممنوع في الحب❝
وفي نساء المحمودية لمنير عتيبة جاءت صباح في نظري مثل عمود الرواية الفقري فنجدها مرة تسأل جمال عبد الناصر لماذا اختار حسين حبيبها للسفر ليحارب في اليمن؟!
ثم بعد سنوات تبكي لحسين قائلة:
“وها أنت تعود، عدت لأن الكل بدأ يعود، الرئيس لم يصالح أمك، بل يبدو أنه غضب من خصامها، فبدلًا من أن يعيدك إلينا، سيأخذك بعد أيام إلى حرب أخرى مع عدو شرس اغتصب أرضنا بعنف بينما كان رجالنا يحاربون في أرض أخرى”.
ثم تولد انتصار ابنتها يوم عبور القناة وتموت يوم خطبة السادات عند ذهابه للكنيست وتتخلص حماتها من الراديو لبائع الروبابيكيا وأم كلثوم تشدو منه قائلة:
“يااااا سلاااااااااام”.
وبنهاية حرب أكتوبر انتهى زمن الحروب في مصر واندمل الجرح، ولكن جراح الأمة العربية زادت هنا وهناك وبقي جرح فلسطين يئن بداخلنا حتى اليوم.. وفي السابع من أكتوبر العام الماضي بدأ عدوان جديد غاشم على غزة أرض النضال والعزة، ولم ينتهي حتى يومنا هذا، قرأت الكثير من الأعمال الروائية التي ساهمت فيها البطلات ببسالة منقطعة النظير مثل رواية “جنة لم تسقط تفاحتها” للفلسطينية ثورة حوامده والتي فازت بكتارا ٢٠١٨، ورواية سيرة الأفعى للكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي، وكذلك الرواية الرائعة التي كتبتها الفلسطينية سوزان أبو الهوى بالإنجليزية
“Mornings in Jenin “ والتي شاهدناها كفيلم باللغة الإنجليزية أيضًا وترجمت إلى العربية بعنوان
“بينما ينام العالم”، ومؤخرًا صدر في تطبيق أبجد مجموعة قصصية رائعة هي:
“بخط أحمر: كتابات عربية حول السابع من أكتوبر”
وهو كتاب يجمع ٣٣ كاتب وكاتبة من أغلب البلدان العربية ويدور عن ما حدث في السابع من أكتوبر، وما حدث فينا من بعده، حشد الأدباء والأديبات مشاعرهم وأضائوا لنا قلوبهم الحزينة الفخورة بغزة وفلسطين وحدثونا عن الهناك والهنا في كل بلادنا العربية..
أذكر من هؤلاء الأدباء:
إبراهيم نصر الله – سعود السنعوسي – منصورة عز الدين – هدى بركات-
واسيني الأعرج وغيرهم
في مقدمة المجموعة يقول طارق عسراوي من فلسطين:
❞ يضع الاحتلال القواعد ليتمرَّس الفلسطينيّ على كسرها. ❝
من المجموعة اخترت لكم اصغر قصص المجموعة للكاتبة العراقية أنعام كجه جي:
“بين غزّة وبغداد”
حلم حارق ظل يكوي رأسي منذ بدأت هذه الحرب: آه لو أن بغداد تحدّت الغزو الأميركي بمثل ما تتحدى به غزّة الاجتياح الإسرائيلي!
لو قاوم العراقيون لأسبوع، لأسبوعين، لو دافعوا عن حريتهم مثلما يدافع الفلسطينيون… !
أكاد أسمع اعتراضات الغاضبين من أمنية فات وقتها. أولئك الذين سيشهرون لافتة النظام الدكتاتوري الذي أفسد وطنًا وجيشًا. هل تكون الأوطان ملكًا لحكامها أم لشعوبها؟
لا يمكنني أن أتصوّر، ولا للحظة في ميزان الزمن، أن العراقيين أقل شجاعة وتضحية من الغزاويين وعموم أهل فلسطين. لكنها أفعى الفرقة التي تلدغ جسد أمة من الأمم وتشتتها كل ملّة في اتجاه.
منذ أن كنا صغارًا، علمّونا في المدارس أن الاستعمار يرسم سياسته على مبدأ: فرّق تسد. كيف لم نتعلم الدرس وواجهناه بالاستخفاف؟
علّمونا حكمة الأجداد في أن من السهل كسر عصا مفردة ومن الصعب تكسير حزمة من العصيّ. هل تعلّمنا؟
قبل عشرين عامًا نشرت صحف العالم تلك العناوين الممضّة: «سقطت بغداد». لا أحد اليوم يجرؤ، ولا غدًا، على أن يكتب: «سقطت غزّة». حتى لو مُحيت عن وجه الأرض. كتبت غزّة تاريخها بالدم وبقيت منصورة.