
بعد تأجيله بسبب الظروف السياسية في المنطقة: مصر تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر
الدكتور/ حسين عبدالبصير

أعلنت الحكومة المصرية، رسميًا، عزمها افتتاح المتحف المصري الكبير في أول نوفمبر المقبل، بعد سلسلة من التأجيلات التي فرضتها الظروف السياسية الإقليمية، لا سيما الحرب في غزة والتوترات المتصاعدة على أكثر من جبهة في الشرق الأوسط. ويعد هذا الإعلان بمثابة بارقة أمل طال انتظارها، ليس فقط للمصريين، بل لعشاق الحضارة الفرعونية حول العالم.
يقع المتحف المصري الكبير، أو كما يُعرف بـ”جي إي إم” (GEM)، على بُعد كيلومترين من هضبة الأهرامات بالجيزة، ويعد المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وربما في تاريخ المتاحف عالميًا. منذ انطلاق العمل فيه مطلع الألفية، تطلع الجميع إلى لحظة الافتتاح التي ترمز إلى استعادة مصر لدورها الحضاري والثقافي، ومكانتها كأرض للمعرفة والدهشة والجمال.
رمزية التوقيت والمكان
يأتي إعلان افتتاح المتحف في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة. ففي ظل الأزمات المتلاحقة، والحروب التي تعصف بجيران مصر، يمثل المتحف الكبير رسالة قوة ناعمة، وتأكيدًا على أن مصر، رغم التحديات، تظل وفية لتراثها، وماضية في استثمار هذا التراث في بناء مستقبلها. إن المتحف لا يروي فقط قصة مصر القديمة، بل يقدم تصورًا جديدًا لكيف يمكن للثقافة أن تكون أداة للمصالحة، والتنمية، والسلام.
يقف المتحف على مرمى البصر من أهرامات الجيزة، أكبر شاهد على عبقرية المصري القديم، وعلى بُعد خطوات من صخب المدينة الحديثة، كجسر يربط بين الأزمنة. وهو ليس مجرد مبنى، بل صرح معماري وفكري يعيد تقديم الحضارة المصرية للعالم برؤية جديدة، تجمع بين أصالة الماضي وأحدث تقنيات العرض والإبهار البصري.
أكثر من متحف: رؤية ثقافية وتنموية شاملة
المتحف المصري الكبير ليس فقط أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم، بل هو مشروع قومي يعكس تطور الرؤية المصرية للثقافة بوصفها موردًا اقتصاديًا واستراتيجيًا. يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك الشاب توت عنخ آمون، والتي تُعرض لأول مرة مجتمعة في مكان واحد.
كما يشمل المتحف مركزًا للترميم يُعد من الأكثر تطورًا في العالم، ومراكز تعليمية، وساحات ثقافية، ومساحات مخصصة للفنون والعروض، مما يجعله وجهة سياحية متكاملة. إنه ليس مكانًا لتخزين الآثار، بل مساحة حية للحوار مع التاريخ، ومصدر إلهام لجيل جديد من المصريين والعرب والعالم.
التحديات والآمال
لم يكن الطريق إلى المتحف مفروشًا بالورود. فقد واجه المشروع تحديات هندسية ومالية وإدارية وسياسية، إلا أن الإرادة المصرية، مدعومةً بشراكات دولية متعددة، استطاعت الوصول إلى هذه المرحلة الحاسمة. إن افتتاح المتحف في ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة ليس مجرد مناسبة بروتوكولية، بل حدث استراتيجي، يعزز من مكانة مصر كمركز للثقافة العالمية.
ويعكس التوقيت – أول نوفمبر – رغبة القيادة السياسية في الربط بين الموسم السياحي الشتوي والحدث الثقافي الأهم، في ظل مساعٍ حثيثة لاستعادة معدلات السياحة لما قبل جائحة كورونا، بل وتجاوزها.
مصر تتحدث عن نفسها
حين يُفتتح المتحف المصري الكبير، ستكون مصر قد كتبت صفحة جديدة في كتاب حضارتها الممتد لسبعة آلاف عام. سيكون الافتتاح بمثابة تذكير بأن مصر ليست فقط بلد الأهرامات والمومياوات، بل بلد الحلم والعمل والبناء. بلد قادر، في آن، على صون تاريخه، وصناعة مستقبله.
إنه أكثر من مجرد افتتاح… إنه إعلان ثقافي ورسالة حضارية تقول للعالم: مصر عادت… من بوابة الحضارة.