حين اختار الملوك النسيان: المدينة الخفية قرب جزيرة صاي

بعض المدن لا تُبنى لتُرى، بل لتُحس. تقيم في شقوق الأرض، وتخفت مع أنفاس الريح، تنتظر من يُنصت إليها بعيون القلب. هناك، في حضن عمارة غرب، ترقد مدينة اختارها ملكٌ من زمنٍ بعيد، ثم نسيها الجميع… أو تظاهروا بذلك.

النص:

في الزاوية الشمالية من جزيرة صاي الأثرية، وعلى بعد 13 كيلومترًا فقط، تنهض مدينة غامضة كأنها نُسجت من رحيق الرمال وهمس النيل. مدينة اختارها الملك ستي الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة الثامنة عشرة، لتكون شاهدًا جديدًا على عبقرية الدولة الحديثة. لكنها لم تكن مجرد حجر وطين… كانت رؤية.

امتدت تلك المدينة على مساحة تُقارب 800 متر طولًا و300 متر عرضًا، وكأنها تنسج خطًا سريًا بين الماء والصحراء. شُيّدت في جزيرة محاطة بالمياه، ثم حصّنت بسور طيني عريض، كأنها كانت تحتمي من الزمن نفسه.

في قلبها، وقف معبد لآمون رع، لا يعلو فقط بالصلاة، بل بالسلطة والقداسة. وعلى أطرافها، انتشرت جبانات مختلفة، حفرت الأرض بأسرار لا يزال بعضها طيّ الغموض. وبين المعبد والجبانات، تنبض آثارٌ لصناعة الفخار، وأدوات صيد السمك، وبيوت سكنية… كل ذلك كان يدور في تناغم يومي يشي بأن هذه المدينة لم تكن طيفًا، بل حياة حقيقية كاملة.

لكن الحياة هنا، كما يبدو، كانت قصيرة. فقد سكنها النسيان باكرًا. ربما اختارها الملوك لمهمة، ثم طواها الرمل حين انتهت وظيفتها. وربما هي التي اختارت الغياب، لتظل مزارًا روحيًا لا يطأه إلا من يستحق.

ختامًا،هذه المدينة ليست مجرد موقع أثري مهمل… إنها ذاكرة حجريّة ما زالت تهمس، تقول شيئًا عن الملوك، عن صمت الجغرافيا، وعن حضارةٍ كانت تنظر للنيل لا كحافة، بل كبداية. وماذا عنك؟

هل ترى أن هذه المدينة قد اختارت أن تُنسى، أم أُجبرت على الغياب؟

هل كانت نقطة انطلاق لمشروع ملكي لم يكتمل، أم مجرد ومضة سكنت النيل ثم غابت؟

كيف تقرأ صمت الأسوار، وخرائط الفخار، ومعبد آمون الذي لم تُكمل صلاته؟

وهل نملك نحن اليوم مفاتيح هذا السر، أم أن بعض المدن كُتبت لتبقى لغزًا، لا يُحل إلا بحنينٍ صادق ورغبةٍ في الإصغاء؟

شاركنا رؤيتك، ودعنا نُعيد معًا رسم ملامح مدينةٍ كانت… وما زالت، تنتظر من يرويها.