“حين يغرد العصفور فوق الرماد: قراءة ذرائعية في قصيدة عصفور الماجناكارتا”

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 14 في 00.55.19 e7e83de7

"حين يغرد العصفور فوق الرماد: قراءة ذرائعية في قصيدة عصفور الماجناكارتا"

بقلم: د.عبير خالد يحيي

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 14 في 00.57.59 a7abf626


في قصيدته “عصفور الماجناكارتا”، يقدّم الشاعر د. محمود خليل نصًا شعريًا ينتمي إلى أدب الاحتجاج الحضاري، ويعتمد أسلوب السخرية الرمزية لتفكيك سردية “الديمقراطية الغربية” ومفاهيمها الكولونيالية المستترة. ومن خلال مخاطبة كائن رقيق كالـ”عصفور”، يُحمّله الشاعر عبء سؤال الذاكرة والتاريخ، كأنما الصوت الذي يغرد لا يمكن أن يكون بريئًا إن لم يدرك أنه يغني فوق مقبرة جماعية.


البؤرة الفكرية والأخلاقية:


تتمحور البؤرة حول تعرية القناع الديمقراطي الذي تتخفى وراءه أنظمة الغرب الاستعماري. يحاور الشاعر العصفور لا ليمدحه، وإنما ليُحمّله مسؤولية الصمت، و”الزقزقة” فوق حطام الضحايا.

 “الماجناكارتا” – التي تعتبر في الثقافة الغربية وثيقة مقدسة للحرية – تُستحضر هنا لا لتمجيدها، وإنما 

لفضحها بوصفها واجهة زائفة، بُنيت على جماجم المستعمرات.


ينقضّ الشاعر على منظومة الأخلاق الغربية، التي صنعت “مجدها من تاريخ المسروقات”، و”بسطت ملكًا من قتلانا”، مؤكدًا أن “الديمقراطية” كما طُبّقت في بلادنا ليست سوى قناع ناعم لفاشية صامتة.


المستوى اللغوي والجمالي:


   -القصيدة تخلط بين السطور الطويلة والقصيرة، وتنثر الصور بشعريةٍ حرةٍ، مما يُبرز طابعها الحداثي


   – القصيدة من نوع شعر التفعيلة (الشعر الحر)، حيث لا تلتزم بوحدة القافية أو عدد التفعيلات في كل سطر، لكنها تحافظ على الإيقاع الداخلي عبر تفعيلات أكثر من بحر خليلي.   

 

   – يُحتمل أن تكون القصيدة مبنيةً على بحر المتدارك (الخبب)الذي يعتمد على تفعيلة فَعِلُن (//ه/)، أو على بحر الكامل (متفاعلن) نظرًا لتكرار إيقاعات متقاربة.  

   – هناك أيضًا إيحاءات من بحر الرجز (مستفعلن) في بعض الأبيات، مثل:  

     – “طاب صباحك يا عصفور” تشبه “مستفعلن مستفعلن”.  

     – “جئت لأعبر أرض بلادك” إيقاع متكرر يشبه تفعيلات الرجز أو المتدارك.  


 الانزياحات الإيقاعية:  

   – تستخدم القصيدة انزياحات إيقاعية متعمدة لتعزيز المعنى، مثل التقطيع غير المنتظم في:  

     – والمتزندق والمتخندق (انزياح لإبراز التكثيف الدرامي).  

   – التكرار في “أنا الصادح… أنا الكادح” يعزز الإيقاع الداخلي دون الالتزام بوحدة التفعيلة.  


 الخصائص الفنية:  

   – اللغة: يستخدم الشاعر لغةً شعريةً غنيةً بالرمزية (مثل: جبل الوحشة، الماجناكارتا، الدستور).  

   – الصور: تعتمد على توظيف الأساطير التاريخية (كالماجناكارتا) كنقدٍ للاستعمار والظلم.  

   – البنية: تخلط بين الخطاب المباشر (“يا عصفور”) والسرد الغنائي.  

 خلاصة:  

القصيدة تفعيلية حرة، وقد تستوحي إيقاعات من بحور مثل المتدارك أو الكامل، لكنها لا تلتزم بحرًا واحدًا بشكل صارم، وهو سمة الشعر الحديث. الشاعر يوظف التفعيلة لخدمة الفكرة، لا العكس.  



تنبني القصيدة على أسلوب شعري ساخر / خطابي، يحمل مزيجًا من الغنائية الساخرة والاحتجاج الرمزي.

يستخدم الشاعر تكرارًا بنائيًا موجهًا للتأثير (يا عصفور؟! ثم أجبني؟!)، ويكثر من التضاد في الصور (النرجس / الساطور، الفجر / الظلمات)، ويعتمد على إيقاع داخلي خافت متخفٍ خلف النص النثري.


اللغة هنا ليست تزيينية، بل وظيفية تفكيكية، هدفها فضح الانحياز الحضاري. كما أنّ مفردات القصيدة تصنع شبكة من المعاني المتنافرة التي تنسف رومانسيّة الطير لصالح واقعية القهر.


 المستوى الديناميكي :


يحاور الشاعر “العصفور” بوصفه رمزًا للمُثل العليا، ثم ينزع عنه هذه الهالة عبر خطاب تساؤلي حاد.

ينفتح النص على القارئ العربي، إذ تتحول كل تساؤلات الشاعر للعصفور إلى استفهامات معلّقة في وجه القارئ نفسه: هل ما زلنا نؤمن أن الحرية تغرّد من فوق المنابر الغربية؟ هل ما زلنا نصدّق أن هناك “ضوء مرور” في تاريخهم المتخم بالدماء؟


القصيدة تُفعّل المتلقي بوصفه شريكًا في هذا الاحتجاج، ضمن تداولية تشاركية تخرق التلقي السلبي.


 المستوى الرمزي والإيحائي:


يُحمّل الشاعر العصفور – رمز الحرية والسلام في المخيال الجمعي – إرثًا من التواطؤ، فيغدو “اللحن الأسوأ وقعًا”، و”الإرث الأوسع ظلمًا”.


الماجناكارتا، الوثيقة السياسية والقانونية، تتحول إلى أسطورة كاذبة، و”الدستور” إلى جريمة مشرعنة.

ملاحظة: الماجناكارتا (الميثاق الأعظم) تُستخدم هنا كرمزٍ لنقد الديمقراطيات الغربية التي قامت على نهب الآخرين، مما يعمق طبقات النقد السياسي في النص.



أما الدول المذكورة – بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، هولندا، إيطاليا، إسبانيا – فليست مجرد أسماء، وإنما أقانيم استعمارية، تُدينها القصيدة بوصفها ممثلة لحضارة قامت على القهر.


 المستوى النفسي:


النص مشحون بغضب دفينٍ تاريخيّ، يتبدى في تكرار الأفعال الحادة (فالعن، أجبني، كدت أصدق)، وفي التوتر الشعوري العارم.

يمارس الشاعر نوعًا من التطهير الجمعي، إذ يستدعي وجع الأمة من الماضي، ويضعه عاريًا أمام الطير الذي يرفض أن يراه. يتجلى ذلك في قوله:


> “كيف تغرد حين تعانق ضوء الفجر،

وحين تراوح بين رفات المقبورين

وبين السالم والمكسور؟”


بهذا، يتحول النص إلى مرآة للصدمة الحضارية والخذلان المعرفي.


 التجربة الإبداعية:


تنتمي التجربة إلى شعر النثر المقاوم، المتكئ على وعي حضاري نقدي بالتاريخ والجغرافيا السياسية. لا يكتب الشاعر من موقع أيديولوجي، بل من مرصد لغوي وشعري، يعيد إنتاج العالم بلسان غاضب وساخر.


تجربة د.محمود خليل هنا تقوم على:


تفكيك الرموز الراسخة


إعادة تأويل الحكاية الكبرى للديمقراطية الغربية


استحضار التراث الشعري السياسي بطريقة لا تخلو من التهكم المرّ



 الخاتمة:


قصيدة “عصفور الماجناكارتا” ليست مجرد خطاب إلى طائر، بل محاكمة ناعمة وصارمة في آنٍ واحد للتاريخ الغربي، وللصمت الشعري الذي لا يدرك عاره. إنها نص من نصوص تفكيك الرموز وتعرية اليوتوبيا الغربية، يكشف كيف تتحول القصيدة إلى أداة مقاومة حين ترفض التغريد مع الطغيان.



القصيدة:


عصفور الماجانا كارتا

    

طاب صباحك يا عصفور 

هل تعرفني  ؟!

جئت لأعبر أرض بلادك٠٠

 وعلى ظهرى

 جبل الوحشة

 والتاريخ الحر الأبرق

 والمتزندق والمتخندق 

ومعي العنبر٠٠ والكافور

   

 فأنا الصادح 

وأنا الكادح 

وأنا الصائح٠٠ والمقهور

   

 فانفض عنك جليدك هذا

 ثم أجبني  ؟!!!

جئت تكفّر من آثام ذنوب بلادك ٠٠

نحو بلادي ؟!!

أم تمنحني ٠٠

 ضوء مرور

   

 تعرف أني ٠٠

أعرف جداً٠٠

 أن بلادك ٠٠

صنعت مجداً٠٠

 من تاريخ المسروقات٠٠

 وبسطت ملكاً ٠٠

من قتلانا٠٠ 

وضحايانا ٠٠

 وجماجمنا 

لأكاذيب ( الماجناكارتا )

وتجارات الدمّ الأزرق ٠٠

والدستور

   

 يا عصفور ؟!

 مثلي مثلك

 نحن أساري ٠٠ كل عتلٍّ

 يتوسدنا ٠٠

كل كفور

   

 فالعن هذا  العفن البارد

 لبريطانيا٠٠

 أو هولندا ٠٠

أو ألمانيا ٠٠

  أو إيطاليا ٠٠

أو بلجيكا٠٠

 ثم فرنسا 

ثم بلاد ( الميتادور )

   

 واعلم أني ٠٠

صوت الفارس

 وظلامات الأمس القارس

 والمتصدع ٠٠ والمأسور

   

 ثم أجبني ٠٠

عن إحساسك 

 حين تعانق كل صباح

أرض الرقّ ٠٠

ووطن الزور

   

 وطنك هذا ٠٠!!

 يجمع كل ضباب الأرض الغرقى

 وجنايات الأمس الحمقى

 وأقانيم الدكتاتور

   

 كيف تغرد

 حين تعانق ضوء الفجر

 وحين تصافح أفق النور

   

 حين تودع 

آخر طيفٍ للظلمات

 وحين تراوح ٠٠

بين رفات المقبورين

 وبين السالم٠٠ والمكسور

   

 حين يسافر جيش الظُُّلمة ٠٠

 بالكلمات٠٠

 وحين يئن ٠٠

وحين يخور

   

 دمت البسمة٠٠

 فيما بين الفجر الأبلج

 طيفَ هُدَى

 دمت اللغة الأبهى أبدا 

حين تشق الدَّخَن الأعجم 

بين الفطرة ٠٠ والمقدور

   

 كدتُ أصدّق ٠٠

أنك تصنع ٠٠

من زقزقتك٠٠ وترانيمك 

نغمة وجدٍ إنسانيتة

 أو تتنسم بعض رفيفٍ للحرية

 وتردده ٠٠

لغة جمالٍ

 وحضاراتٍ

 بين الحاكم ٠٠ والجمهور

    

 عمت صباحاً

 دمت صياحاً

 دام نشيدك ٠٠

 حقل البيدر٠٠

 ملء الدور

   

 دام اللحن البرُّ الفاصل 

بين النرجس والساطور

    

 دمت الإرث الأوسع ظلماً

 للفاشيةِ ٠٠

 والوحشيةِ ٠٠

 والساميةِ ٠٠ والديجور

   

 فاجمع كل طيور العالم حولك

 غرد للديمقراطيةْ

 واندب صرح الليبرالية 

وسط مُكائك للناطور

   ******

 يا عصفور ؟!

 دمت اللحن الأسوأ وقعاً 

للتاريخ الأكذب نقعاً

والمتستر٠٠ والمقبور

        

      شعر : د محمود خليل 

  

الماجناكارتا : هي الميثاق الأعظم ٠٠وهى أهم الوثائق القانونية في تاريخ الديمقراطية الغربية٠٠ وقد صدرت ببريطانيا عام ١٢١٥م ٠


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *