ذاكرة العيد البعيدة

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 16 في 12.58.14 dbdc6ee4

ذاكرة العيد البعيدة

 بقلم الكاتبة /أمينة الزغبي 

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 16 في 12.58.35 f49381cd

 

 

فستاني الأحمر بوردهِ الأبيض الصغير، ذو الكرانيش المُتتالية، والحزام المعقود من الخلف علي شكل فيونكة، أكبر حجمًا من المعقود بها شعري ذيل حصان بالشريط الأبيض، نفس لون الحذاء، وحقيبة اليد الصغيرة التي أعلقها علي كتفي الأيسر، أضع فيها العيدية التي جمعتها منذ إشراقة نور العيد، وعودة أبي بجلبابهِ الأبيض الجديد، مصطحبًا معه خالي الكبير بهيئته المهيبة، وجدي مصطفي بوجههِ المنير، بعد أن جمعهم المسجد لصلاةِ العيد، أقفُ في شرفةِ شقتنا العالية، أتطلعُ إلي جموعِ البشرِ القادمين من المسجدِ، أتفحصهم، ألمحُ أبي، وخالي، وجدي، وصحبة من الجيرانِ، أسرعُ إلي بابِ الشقةِ، وصوت أمي يتداعى إلي مسمعي من مطبخنا آمرة: 

ــ على مهلٍ يا بنت.

 أشبُ على أطراف أصابع قدميّ المحشورة داخل الحذاء الأبيض الجديد، أتعلقُ في أُكرةِ البابِ، أفتحهُ، يستقبلنِ ثلاثتهم بالضحكات، يرفعنِ خالي من تحت أبطيّ، وهو يردد:

ــ آخذ قبلةً كبيرةً قبل العيديةِ.

أُقبلُ وجنتيه، يُغمضُ عينيه ويردد وهو يمُد في حرف اللام قائلًا:

ــ الله.

ينزلنِ برفقٍ على الأرضِ، يضعُ يده في جيبِ جلبابه الأمامي، يخرجُ حافظة نقوده، ينقدنِ ورقة جديدةً فئة خمسونَ قرشًا، آخذها وأنا أتطلع إلى وجهه شاكرة، تسرعُ أمي إلينا، تمدُ يدها، تسلمُ علي جدي، وخالي، تعاتبنِ بابتسامتها قائلة:

ــ آه منكِ أنتِ.. اتركِ جدكِ وخالكِ يجلسان أولًا.. ماذا أفعل معها؟ ترتدي ملابسها مذ الفجر.. بعد أن صففتُ لها شعرها احتضنت حقيبتها الصغيرة وهي تسألنِ: أمي هل هذه الحقيبة تكفي نقود العيدية التي سأجمعها من كل أفراد عائلتنا؟!

يضحكُ جدي وهو يخرجُ من حافظةِ نقودهِ ورقةً أخري مماثلة لما نقدنِ بها خالي، أُقبلُ يده، وهو يربتُ على كتفي، ويدعو لي، أسرعُ إلي أبي الذي يمسك بأطرافِ أصابعه ورقةً نقديةً ثالثة من فئة الخمسون قرش أيضًا، يُلوحُ لي بها في الهواءِ، يرفعُ يده ليبعدها عن متناول يدي، وأنا أقفزُ كي أخطفها منه، حتى أمسكتُ بها وسط ضحكات الجميع، أسرعُ بالجلوسِ على أحد المقاعدِ، أضع النقود فوق بعضها البعض، أُخفيها داخل حقيبة العيد الصغيرة، أعلقها في كتفي وأنا ألوح للجميع قائلة:

ــ سأصعد إلى شقةِ جدتي كي آخذ العيدية.

تتعالي الضحكات وجدي وخالي يرددان:

ــ انتظري يا صغيرة كي نصعد سويًا.

 يطغي رنين ضحكاتهم علي صوت أم كلثوم المنبعث من التلفاز وهي تغني:

 يا ليلة العيد أنستينا.. وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد…

أُلملمُ الوعاء، والفرشاة، وعلب صبغة الشعر الفارغة، أترك المرآة خلفي، أتجه إلى حوضِ الاستحمام، وأنا أترحم على من غابوا، وغابت معهم ألوان بهجة العمر.

 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *