رواية العصر الذكي

صورة واتساب بتاريخ 1447 04 25 في 00.40.33 ad848fc0

رواية العصر الذكي

بقلم الأديبة/ زينب السعود- الأردن

صورة واتساب بتاريخ 1447 04 25 في 00.40.33 ad848fc0


عندما ظهرت الرواية العربية التي حاولت تتبع خطى جارتها الغربية كان لا بد مع المحافظة على التقنيات والمعايير والقواعد المستوردة للمنتج الجديد ، إلى جانب تحويره قليلا ليصطبغ بصبغة الخصوصية للفكر العربي والإسلامي . وإذا كانت الرواية الغربية وصلتنا مترجمة ، واعتمد فهمنا لها على فهم مترجمها وثقافته وعبقرته في الترجمة فإن الرواية العربية تمتلك السمة الأصيلة التي توحد خصائص المنتج الروائي العربي وهو اللغة . لقد ظلت اللغة العربية هي الخيط الجامع لفكرة الإبداع والتفنن في كتابة الرواية العربية .فالرواية أولا وثانيا وآخرا هي لغة . والتفنن في استخدام اللغة وتطويعها وتشكيل جملة خارجة عن المألوف والمتوقع وبناء صور وأخيلة مبتكرة والدخول في مراوغة لذيذة مع علوم اللغة من بلاغة ونحو وصرف ودلالة هو الذي يميز كاتبا عن كاتب ورواية عن أخرى . فالرواية إذن لا يمكن أن تعتمد على بناء الصور والأخيلة إلا بامتلاك الكاتب لعنصر اللغة ، واللغة العربية لها خصوصية وعلينا أن نُبقي هذه الخصوصية ولا نحاول طمسها أو تخطيها تحت أي وهج حداثي أو تكنولوجي ، فاللغة العربية ليست مجالا للمساومة أو المفاضلة عندما يتعلق الأمر بلغة الإبداع العربي الموجه لمتلق عربي ، واللغة العربية لها خصوصية الهوية التي يجتمع تحت لوائها كل ناطق بالضاد . والسؤال الذي اود طرحه بتجرد كامل ما موقع اللغة العربية في وجدان منظري الرواية الرقمية ؟ وهذا سؤال استفساري استعلامي للوصول إلى معرفة صحيحة نستطيع أن نبني عليها حواراتنا في موضوع الأدب الرقمي الذي أحاول الاقتراب منه عبر هذه السطور.

فما دام منظروه ورواده قد أطلقوا عليه اسم (الأدب ) ونعتوه بصفة الأدبية يحق لنا أن ننظر إليه من معايير الأدب الأصيلة التي تميز بين النصوص .فهل يصح أن نعتبر ما يروج له أصحاب الفكرة الرقمية من نتاجات الكترونية تعتمد على البرمجة الحاسوبية والسيرفرات والوسائط المتعددة والروابط  والمواقع الالكترونية هل يصح اعتباره أدبا ؟ وهل وصفه بالأدب صحيح من الأساس ؟ ألا يحيلنا واقع ما يسمونه بالرواية الرقمية إلى ألعاب الديجتال والألعاب الالكترونية المختلفة التي قد يتخذ بعضها صورة قصة أو حكاية مثل حكايات البوكيمون وغيرها . لست اعارض هذا التطور إذا كان ذا نفعية فكرية ومعرفية ولكنني أحاول التفكير بصوت مرتفع وأشارك القارئ في هذا التساؤل المستحق عن صحة نسبة الأدب إلى الرقمنة ناهيك عن نسبة الرواية تحديدا إليها.

إن ما يحاول الروائيون الرقميون الجدد قوله يتمحور في كون الرواية الرقمية أصبحت ضرورة ملحة في عصر التسارع الإلكتروني وأنها مع الوقت ستصبح بديلة للرواية الورقية التي ينعتونها  بتقليدية وسلفية . وإطلاق صفة التقليدية هنا يبدو كتهمة للرواية الورقية المستندة على معايير وتقنيات وأساليب سرد وزمان ومكان وشخوص وفضاءات نصية ، تهمة تذكرنا بما طالب به الحداثيون عندما حاولوا تمييع الأجناس الأدبية والتخلي عن كثير من خصوصية اللغة والبيئة العربية لصالح فكرة التطور والارتقاء ومواكبة الركب الجديد.

هل الرواية الرقمية مرفوضة بناء على ما تقدم ؟ بالتأكيد ليس الهدف من هذا المقال رفض هذه البدعة الجديدة ولا التقليل من أهمية مواكبة تطورات العصر المتسارعة ولكنها محاولة لمناقشة الأمر وتسليط الضوء على تساؤلات هامة تحتاج إلى التفكير فيها قبل أن نشرع أبواب القبول والتسليم التام بما يذهب إليه الرقميون .

والسؤال الملح ما موقع اللغة العنصر الأساسي في عملية صنع الإبداع من رقمنة الرواية ؟ وهل سيتم تحييد اللغة كعنصر هام في الإبداع لصالح تقنيات الحوسبة والذكاء المصطنع؟ فالرواية ليست خيالا فقط ، هناك عناصر كثيرة عليها أن تتضافر وتتوفر ليصح إطلاق اسم رواية على المنتج الكتابي ، وكثير من هذه العناصر لا تستطيع الرقمنة توفيرها على وجهها الصحيح لأنها مرتبطة بحالات الشعور الإنساني والتعاطي البشري النفسي والسلوكي وهو ما لا تستطيع الأجهزة الإحاطة به مهما بلغت درجة ذكائها الاصطناعي . 

وما اميل إليه أن الرواية الرقمية هي شكل مطور من البرامج الالكترونية فيه درجة عالية من الإمتاع والتسلية والنفع إذا تبنت المحتوى النافع وهي في حِلٍ تماما من إي محاولة للي عنق التعريفات والنظريات التي تطرحها كبديل حديث متطور ومبتكر للرواية التقليدية التي لها جمهورها الكبير والمنافحين عنها ، ومن يهربون إليها غالبا كلما ضاقت نفوسهم وتعبت أبصارهم من شاشات الأجهزة التي سلبت كثيرا من عافيتهم واستقرار نفوسهم .فإذا كنا سنقول نعم للرواية الرقمية فهي نعم مشروطة بحقيقة كونها برنامجا الكترونيا جميلا ومتطورا يقدم مستوى تقنيا حديثا لسرد حكاية ما عبر صور ووسائط صوتية وفلمية وألوان وإضاءات مبهرة . قد نتسلى بها قليلا ونتفاعل مع ما تقدمه من من روابط تحيلنا إلى صورة ما أو مشهد ما كما فعل احمد عبد اللطيف في تصميمه لحكاية ( حصن التراب ) حيث وظف التقنية في عرض الموشحات الأندلسية وصورا تمثل البيئة الأندلسية التي تتحدث عنها القصة . ثم ماذا ؟  نغلق الجهاز ونعود لنكمل روايتنا التقليدية الورقية. التي تحرك الوجدان وتنعش الفكر وتثير الأحاسيس وتريح النظر .

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *