زينة المرأة المصرية القديمة: جمال وتقاليد لا تُنسى

زينة المرأة المصرية القديمة: جمال وتقاليد لا تُنسى

بقلم الأستاذ الدكتور/حسين عبد البصير- عالم آثار مصرية

 

تعد زينة المرأة المصرية القديمة من أبرز سمات الحضارة الفرعونية، حيث كانت تعبيرًا عن الجمال والذوق الرفيع، وتُظهر بوضوح العلاقة العميقة بين الجمال والدين والمكانة الاجتماعية. ولم تكن الزينة مقتصرة على المظاهر الخارجية فحسب، بل كانت تشكل جزءًا من الهوية الثقافية والدينية للمرأة المصرية القديمة، وتتمثل في مجموعة متنوعة من التفاصيل التي تنوعت بين المجوهرات، والماكياج، والأزياء، والروائح، ليكتمل بذلك المظهر المتناغم للمرأة المصرية في عصر الفراعنة.

١. المجوهرات: رمز الرفاهية والمكانة الاجتماعية

كان للمجوهرات مكانة كبيرة في حياة المرأة المصرية القديمة، فهي لم تكن مجرد قطع للتزين بل كانت تحمل رموزًا ثقافية ودينية، كما كانت تؤشر إلى الوضع الاجتماعي والمادي للمرأة. استخدمت النساء المصريات في الزينة العديد من المواد مثل الذهب، الفضة، الأحجار الكريمة، والزجاج الملون.

تعتبر القلائد من أبرز أنواع المجوهرات، إذ كانت تتزين بها النساء في مختلف المناسبات، خاصة تلك التي كانت تحتوي على خرزات ملونة وأحجار مثل اللازورد والعقيق. كما كانت الأساور والأقراط من العناصر الأساسية التي تظهر جمال المرأة وذوقها الرفيع. أما الخواتم فكانت تعتبر من الأدوات التي تُظهر الانتماء الاجتماعي والمكانة العائلية.

أكثر المجوهرات شهرة في تلك الفترة كانت تلك التي على شكل البروشات أو الدبابيس التي كانت تُستخدم لتثبيت الملابس وتزيين الأزياء. لم تكن هذه المجوهرات مجرد قطع زينة، بل كانت غالبًا تحمل رموزًا دينية، مثل رموز الإلهة إيزيس أو حورس، وذلك لإضفاء الحماية والبركة على مرتديها.

٢. الماكياج والتجميل: أسرار الجمال المصري القديم

تعتبر ملامح الجمال الطبيعي جزءًا لا يتجزأ من الهوية المصرية القديمة، وكان المكياج من أبرز وسائل الزينة التي اعتمدت عليها المرأة. من أشهر مواد المكياج التي استخدمتها المرأة المصرية القديمة هي الكحل، الذي كان يستخدم لتحديد العينين وحمايتهما من الوهج الشديد في المناطق الصحراوية. كان الكحل يصنع من اللامبرت، وهو مزيج من الفضة والنحاس مع مادة الكحل الطبيعية التي تُستخرج من الصخور. كان الكحل لا يُستخدم فقط للأغراض الجمالية، بل كان أيضًا له أغراض طبية، إذ كان يُعتقد أنه يحمي العين من الأمراض.

أما أحمر الشفاه فقد كان يصنع من مواد طبيعية مثل الشموع، والقرطم (المستخلص من بذور نبات قرطم الشاي)، إضافة إلى الحناء التي كانت تُستخدم لتلوين الشفاه والخدين. كان هذا النوع من المكياج يعكس ملامح الجمال المصري ويُظهر جمال البشرة الطبيعي.

٣. الأزياء والملابس: توازن بين البساطة والرفاهية

لم تكن الأزياء بالنسبة للمرأة المصرية مجرد ملابس، بل كانت جزءًا من تعبيرها عن شخصيتها وطبقتها الاجتماعية. كانت الأزياء المصرية القديمة تصنع غالبًا من الكتان، وهو نسيج خفيف مناسب للطقس الحار في مصر. تُعد الفساتين الفضفاضة التي كانت ترتديها النساء من أبرز الملابس في ذلك العصر، وكان الفستان يُحاك بشكل بسيط مع حزام يلتف حول الخصر ليُبرز الشكل الأنثوي.

كانت الملابس العلوية للنساء، مثل القفازات أو الأوشحة، تستخدم بشكل أساسي في المناسبات الكبرى أو الاحتفالات الدينية. كما كانت الستائر الملكية والزينة المميزة تُصنع من الذهب والفضة، ما يميز ملابس الملكات والنبلاء عن الملابس اليومية للنساء العاديات.

وكانت الألوان مهمة في ملابس النساء، إذ كانت تستخدم الألوان الزاهية مثل الأزرق والأصفر والأخضر، التي كانت ترمز إلى الحياة والطبيعة. وكانت الملابس تُزين أحيانًا بالزخارف المعقدة، والخرز، والتطريزات الدقيقة التي كانت تُظهر براعة الحرفيين المصريين.

٤. العطور والزيوت: نعمة الروائح الفاتنة

لم تكن العطور مجرد إضافات للتزين للمرأة المصرية القديمة، بل كانت جزءًا من الثقافة المصرية التي تمثل الطهارة والنعومة. كانت النساء تستخدم الزيوت العطرية بشكل يومي، ويُعتقد أن زيت الزيتون والزيوت العطرية مثل زهور اللوتس والورد كانت من أكثر الروائح استخدامًا.

كان العطر يُصنع من مواد طبيعية مثل الأعشاب والتوابل التي تُستخلص من النباتات المختلفة، وقد استخدم المصريون القدماء العطور أيضًا في الطقوس الدينية، حيث كانت تُستخدم في المعابد وفي الاحتفالات الخاصة بالإلهة إيزيس وحتحور، اللتين كانتا تُعتبران رمزًا للجمال.

كانت الزيوت والعطور تُعتبر علامة من علامات النقاء، وكثيرًا ما كانت النساء المصريات تضعها على أجسادهن وعائلاتهن كجزء من ممارسات النظافة اليومية.

٥. الشعر وتسريحات الشعر: أسلوب فني يعكس التفرد

لم تكن تسريحات الشعر في مصر القديمة مجرد وسيلة لتجميل الشعر، بل كانت تمثل جزءًا كبيرًا من الهوية الشخصية. كانت النساء يتبعن أساليب مختلفة في تصفيف شعرهن، سواء كان طويلًا أو قصيرًا. وكان الشعر في معظم الأحيان يُربط أو يُجمع إلى الوراء باستخدام رباطات من الذهب أو الزخارف.

إحدى أروع تسريحات الشعر كانت الكعكة الكبيرة، التي كانت توضع في الجزء العلوي من الرأس وتُزين بالأشرطة الذهبية أو قطع من الأحجار الكريمة. كانت النساء الملكيات والنبلاء يضعن الباروكة كجزء من زينتهن، ويُقال إن النساء في مصر القديمة كن يستعملن شعرًا مستعارًا، حيث كانت الباروكة تعتبر من رموز السلطة والمكانة الاجتماعية.

٦. اللمسات النهائية: الطقوس والرموز الروحية

إلى جانب كل هذه العناصر المادية التي كانت تزين المرأة المصرية القديمة، كانت توجد طقوس دينية وروحية تمثل جزءًا من عملية الزينة. كانت النساء تُزيّن أجسادهن بشكل رمزي بأدوات وملابس تحمل رموزًا دينية وروحية، مثل العين حورس، وذلك لحمايتهن من الأذى ولبث الطمأنينة في أرواحهن.

كان استخدام الألوان والأدوات الروحية في الزينة يشير إلى الإيمان العميق بالآلهة، مثل إيزيس، حتحور، وأفروديت، وكان يُعتقد أن هذه الرموز تساعد في جلب البركة والجمال.

٧. الخلاصة: المرأة المصرية القديمة وتجسيد الجمال الدائم

لقد كانت زينة المرأة المصرية القديمة تتسم بالتنوع والغنى، وكانت تعكس مجتمعات عدة من حيث الديانة، الطبقات الاجتماعية، والمفاهيم الجمالية. فقد استمدت هذه الزينة من ثقافة غنية بمفردات الجمال، الجمع بين البساطة والرفاهية، وبين التقنيات الطبيعية والرمزية الروحية. ورغم مرور آلاف السنين على تلك الحقبة، فإن زينة المرأة المصرية القديمة تظل مصدر إلهام، حيث لا زالت الكثير من تقاليد الجمال المصرية القديمة تُستخدم في عصرنا الحديث، مما يعكس عظمة هذه الحضارة وتفردها في فهم مفهوم الجمال.

 
 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *