
"عزة وعصف الأشواق في حضرة ساكني الرواق" (نص رمزي عن الذاكرة والهوية في زمن البعد عن الوطن)
بقلم الدكتورة/ بلسم القارح- السودان

في صمت القاعات المتحفية، حين ينام الزوار، وتغلق الأبواب وتُطفأ المصابيح، يحدث ما لا يتوقعه أحد… تستفيق التماثيل من صمتها.. وتبدأ حكايتنا
مشهد أول
تحت الأضواء الشاحبة،وعلى قواعدها الحجرية، وقفت ثلاث شخصيات جمّدها الزمن كأنما تنتظر من يعيد إليها نبض الحياة
ملكة متوجة تلفها هالة من الكبرياء والعزةٍ والنُبل
رجل دين بأثواب خافتة وملامح مقدسة ونظرة ساكنة تخترق الزمان
ومحارب يمسك رمحه بقبضة لم ترتخِ منذ قرون كأنه في انتظار معركة قادمة.
هم –لم يكونوا مجرد حجارة هم–محبة منحوتة في الطين، تنتظر من يصغي
… كانوا ذاكرة
: تتحدث الملكة بشموخ:
“كنا نُبجل، نُقدّس، نُخلّد، نُروى في الملاحم … واليوم نصبح زينة على جدار
ويُنظر إلينا كأطلال!”
ويهتف المحارب بمرارة:
“كأننا تُحف، لا تاريخ. كأن الشرف يمكن أن يُباع.”
“صرنا صورًا خلف زجاج… لا صوت لنا ولا سيف ولا اتباع
ورد رجل الدين بصوت عميق:
“لكننا هنا… ما دمنا في ذاكرة الأوفياء
ثم تدخل طفلة صغيرة، بعينين تلمعان بالفضول
“عزة”… تسللت ليلًا لتكسر الصمت
تحمل دفترًا، وتهمس بانبهار للمشهد وفيه:
انأ”أشعر بكم… أنتم لستم حجارة.ان فيكم شيء يشبه قلبي.”
مشهد جانبي
وفي لحظة صامتة، دارت الأرواح من حولها.
وبنداء يطرق القلب و يسكن الوعي.
تكلمت التماثيل دهشة، بلا بصوت آه آه آه
عزة، الصغيرة التي لا تعرف عنا سوى ما لم يُذكر، أصبحت وعدًا.
رجل الدين: “أخبرينا عنّا… فالحكاية هي الطريقة الوحيدة للبقاء.”
الملكة: “اكتبي مجدنا، بلغة يفهمها الجيل الجديد.”
المحارب: “ازرعي ذاكرتنا في دفاترك… وسنحارب معك النسيان.”
لو أن صغار اليوم، لم يعرفونا — إذن نُمحى.”
ووعدتهم عزة:
أن ترسم، وتحكي، وتكتب.
أن تزرع حكاياتهم في دفاتر المدرسة، وفوق جدران الذاكرة.
لكن الحرب جاءت.
لم تفرّق بين البشر والحجارة.
انهمرت القذائف فانهارت جدران المتحف،
وارتجفت التماثيل وتراجعت في ظلالها،
خافتةً، باكية ، واختلط الغبار بالعتمة.
صمتت الأصوات، وتوارى النبض.
لكن الذاكرة… لم تمت.
وفجأة… تسرّب صوت من خلف الجدران المتصدعة…
صوت الشعب يغني لعزة، لرمز الوطن، بهتاف لا يشيخ:
“يا عازه قومي
كفاك نومك
وكفانا دلال يومك…”
فتنهّدت التماثيل، كما لو أن الصوت لامس أعماقها.
واستيقظت الحكاية من رمادها.
وفي المشهد الأخير…
تعود “عزة”، من جديد، وقد كبرت تحمل كتابًا من صنع يديها، عليه صورة التماثيل الثلاثة.
وعلى صدرها، شارة تقول: “حامية الذاكرة.” تهمس لهم:
ها أنا ذا، جئت أفي بوعدي.”
“جئت أكتبكم… كي لا تكتبنا الحرب بالنسيان.”
“اكتب أنكم باقون… في الكتب، في القصص، وفي قلبي
ثم تدندن بصوت هادئ، لكنه ممتلئ بالنبض… تكمل ما بدأه الشعب ذات يوم:
“فلق الصباح قول لي
أهو نورك لاح خلي
“مشهد جانبي آخر
ثم، في الخلفية، ارتفع صوت النشيد الوطني:
“نحن جند الله، جند الوطن…”
فتنفست التماثيل، كأنها تتمايل على إيقاع الكلمات.
في ذلك النشيد، تسكن كل الحكايات.
فيه تمضي روح الأمل، وتتّحد الأجيال.
فالحرب تطفأ، لكن الحكاية تُشعل…
والأوطان تُولد مرارًا… من كلمات يحفظها الصغار.
خيال روائي اكثر من رائع نابع من عقلية مثقفة ،، اتمني ان تترجم لاعمال فنية ، حفظ الله بلدنا الحبيب ومن ليس له قديم ليس له جديد ،، حفظك الله دكتورتنا
أمة بهذا الارث الحضار ي والتاريخ التليد لايمكن أن تموت ولا يمكن لاشباه الرجال ان يحطموا موروثاته التي شهدت عليه الانسانية جمعاء وفي متاحف للعالم كله يوجد ما يخلد لتاريخ الحضارة النوبية .
حفظك الله دكتورتنا بلسم عبد الحميد شكال ليمتد من خلالكم هذا التوثيق فإذا كان للحرب من فوائد فها هي أخرجت مكنونات دواخلنا الجميلة .