عن كتاب دريدا الشاب والفلسفة الفرنسية
بقلم الكاتبة و المترجمة الأستاذة/ سحر توفيق
يتناول هذا الكتاب فترة مهمة من تاريخ الفلسفة، لاسيما فترة من تاريخ أحد الفلاسفة المُهِمِّين في القرن العشرين، وأعني المرحلة الأولى من حياة دريدا، دراسته منذ المرحلة الثانوية، حتى أصبح أستاذًا في الجامعة. وهو يتناول هذه المرحلة من خلال سياق التاريخ الفكري والثقافي والفلسفي في فرنسا في الفترة نفسها.
كانت تلك الفترة من أكثر الفترات حيوية في الثقافة بشكل عام في العالم كله، وخاصة في دول الغرب، وعلى نحو أكثر خصوصية في فرنسا التي كانت بوتقة انصهرت فيها تلك الأفكار والمجادلات الثقافية والفكرية والفلسفية، خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وطوال سنوات من الحرب “الباردة”، حتى بلوغ السبعينيات عندما بدأت تلوح مؤشرات في الأفق على نهاية قريبة لتلك الحرب التي سُميت بالباردة. ولا يمكن أن ننسى أن تلك الحيوية الثقافية قد امتد أثرها إلى بلادنا في نفس الفترة، حيث كانت الترجمات لمؤلفات هؤلاء الفلاسفة والحوارات حول صراعات المذاهب الفلسفية المختلفة وتأثيرها على المناخ الثقافي والتعليمي على وجه الخصوص تملأ الدوريات والصحف والعديد من المؤلفات، بالإضافة إلى عدد من الفلاسفة والمثقفين المصريين الذين ظهروا منذ الستينيات وأثروا حياتنا الثقافية وأشاعوا الحيوية في المناخ الثقافي العام، والذين أذكر منهم زكي نجيب محمود ومحمود أمين العالم وآخرين.
سوف تشاهد في هذا الكتاب أسماء عدد كبير من الفلاسفة والعلماء في جوانب مختلفة تتعلق كلها بالفلسفة، كما سوف تقرأ عناوين ولمحات من كتب كثيرة لهؤلاء الكُتَّاب. وسوف تشعر بأهمية الفلسفة التي غفلنا عنها طويلًا، وسوف تعرف الكثير عن المذاهب الفلسفية المختلفة التي تتابعت وتصارعت في تلك الفترة من تاريخ القرن العشرين. وفوق هذا كله، سوف تعرف كيف استطاع دريدا، الفرنسي الذي تربَّى في الجزائر، أن يتطور حتى وصل إلى التفكيكية التي سادت وانتشرت في ذلك الوقت. ومع تطور دريدا، سوف نرى تطورات أخرى في الحياة الثقافية الفرنسية والغربية بشكل عام، وسوف نرى أيضًا لمحة عن نظام التعليم الفرنسي، الذي كان النظام المصري يحاول في وقت من الأوقات الاقتراب منه لكنه لم ينجح.
وبالإضافة إلى ما سوف يُطلعنا عليه هذا الكتاب من أفكار وفلسفات وتاريخ للفلسفة والثقافة والسياسة في مرحلة مهمة وحيوية في فرنسا والغرب والعالم، وإلى جانب ما نراه من تطور في الفكر والفلسفة وتأثير ذلك كله في أجيال من الشباب والفلاسفة الصغار الذين يمثلهم دريدا هنا، أرجو أن تدفعنا قراءته إلى أن تتكون لدينا فكرة عن معنى التعليم الصحيح، وأن نتطلَّع إلى نظام تعليمي أكثر تطورًا في بلادنا، حتى إن بدا ذلك أملاً بعيدًا، فإنه رغم ذلك ليس مستحيلًا.