قصائد الحب الفرعونية: عندما تغنّى المصريون القدماء بالعشق

صورة واتساب بتاريخ 1446 10 19 في 17.46.04 e22630dd

قصائد الحب الفرعونية: عندما تغنّى المصريون القدماء بالعشق

الدكتور/  حسين عبد البصير 

 

صورة واتساب بتاريخ 1446 10 19 في 17.46.58 0631ebdc


في قلب الحضارة المصرية القديمة، لم يكن الحب مجرد مشاعر عابرة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، محفورًا في النصوص والمخطوطات والجدران، يُرَدَّد في الأعياد، ويُتغنى به في القصور والمعابد. لم يكن المصري القديم يهاب التعبير عن مشاعره، بل خطّها شعراً على أوراق البردي ونقشها على جدران المقابر، لتبقى شاهدة على أعظم قصص العشق التي عرفها التاريخ.

الحب في مصر القديمة: إحساس خالد

كان الحب عند المصريين القدماء ساميًا، يتجاوز حدود الزمن والمسافات. لم يكن مجرد انجذاب جسدي، بل كان مزيجًا من العاطفة العميقة، والاحترام المتبادل، والإخلاص الأبدي. في قصائدهم، نجد وصفًا دقيقًا للمحبوبة، عينيها الواسعتين، جدائل شعرها الأسود، رقتها ونعومتها، وحتى صوتها الذي يشبه أعذب الألحان.

من روائع شعر الحب الفرعوني

تُعد قصائد الحب الفرعونية من أقدم النصوص العاطفية في التاريخ، وقد عُثر على بعضها في بردية هاريس 500 وبردية تورينو، التي تحتوي على أبيات رومانسية يتبادلها العشاق:

“إنها الفريدة، لا نظير لها،

أكثر إشراقًا من نجمة الصباح،

تتألق بشرتها كالألماس،

وعيناها كزهرتي لوتس في بركة ماء،

وشفتيها أحلى من عسل النحل.”

(بردية هاريس 500، مصر القديمة، الأسرة 19)

وفي قصيدة أخرى، تبوح الحبيبة بمشاعرها في كلمات دافئة:

“لو كنتُ خاتمًا في إصبعك،

أو وشاحًا يحيط بعنقك،

لو كنتُ ماءً يروي عطشك،

لظللتُ إلى الأبد قربك، لا تفصلني عنك الأيام.”

(بردية تورينو، الأسرة 18-19)

رمزية الحب في الأدب الفرعوني

كان الحب عند المصريين القدماء يرتبط بجمال الطبيعة، فالمحبوبة تُشبَّه بالزهور المتفتحة، بالنيل الذي يمنح الحياة، بالنسيم الذي يبعث الراحة. ولم يكن الحب حكرًا على طبقة دون أخرى، بل تغنّى به الملوك والنبلاء وعامة الشعب، ووُجد في بردياتهم وقصائدهم العاطفية.

الحب والإخلاص بعد الموت

لم يكن الحب في مصر القديمة مقتصرًا على الحياة الدنيا، بل امتد إلى العالم الآخر. كان المصري القديم يؤمن أن الحب الحقيقي لا ينتهي بالموت، بل يستمر في الحياة الآخرة، حيث يلتقي العاشقان من جديد في “حقول الإيارو”، الجنة المصرية، ليعيشا معًا في سعادة أبدية.

في إحدى القصائد الجنائزية التي تُقرأ في طقوس الموت، نجد الحبيبة تتوسل للحياة الأبدية مع محبوبها:

“لا تدع الموت يفرق بيننا،

اجعلني معه إلى الأبد،

كما يجتمع القمر والنجوم في السماء.”

(من نقوش جنائزية، مقبرة دير المدينة، الأسرة 19)

الحب الفرعوني: مشاعر تتحدى الزمن

رغم مرور آلاف السنين، لا تزال قصائد الحب الفرعونية تنبض بالحياة، تحمل في طياتها مشاعر صادقة تتجاوز حدود الزمن، تُذكّرنا بأن الحب، في جوهره، إحساس خالد، لا يتغير بتغير العصور. لقد كان المصري القديم يعرف كيف يحب، وكيف يعبر عن مشاعره، وكيف يخلّدها، ليترك لنا إرثًا أدبيًا وإنسانيًا من أجمل ما كُتب عن العشق في تاريخ البشرية.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *