قصر الصفا بالإسكندرية

صورة واتساب بتاريخ 1447 04 18 في 00.54.35 5c2142e1

قصر الصفا بالإسكندرية

دكتور/ حسين عبد البصير- مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 

 

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 14 في 01.12.27 c7a8d493 Copy

يقع قصر الصفا على ربوة عالية مطلة على البحر الأبيض المتوسط في حي زيزينيا بالإسكندرية، ويعد من أبرز القصور الملكية التي تحافظ على تاريخ المدينة وجمالها المعماري. يمتاز القصر بإطلالته الخلابة على البحر وحدائق واسعة مُنسقة بعناية، ما يجعله يبدو كمنارة هادئة أو كحارس أمين للمدينة من جهة الشاطئ. أضفى هذا المزيج بين الطبيعة والمعمار على القصر طابعًا فريدًا يجمع بين الرقي الملكي والأصالة التاريخية، ويعكس ذوق النخبة المصرية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

بُني القصر عام 1887 على يد الكونت اليوناني إستيفان زيزينيا، الذي كان أحد أبرز تجار القطن في مصر وقنصل بلجيكا آنذاك. اختار زيزينيا منطقة رمل الإسكندرية، والتي بدأت تعرف لاحقًا باسم “زيزينيا” تكريمًا له، لتكون موطنًا لمجموعة من القصور الفخمة التي أنشأتها الطبقة الأرستقراطية والنخبة الاقتصادية آنذاك. كان ذلك الحي مركزًا ومقصدًا للصفوة الذين تنافسوا في بناء قصورهم وسراياهم، ما جعله رمزًا للثراء والذوق الرفيع في المدينة.

في تلك المرحلة، كان القصر بمثابة نموذج متقدم للقصور الخاصة في الإسكندرية، حيث تم الجمع بين الطراز الأوروبي العصري لمباني القرن التاسع عشر والفن الإسلامي في زخارفه الداخلية والخارجية. ولم يكن اهتمام زيزينيا بالمعمار مجرد رفاهية، بل كان وسيلة لإظهار مكانته الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسكندري.

في عام 1927، قرر الأمير محمد علي نجل الخديوي توفيق شراء القصر وتجديده ليصبح مقرًا ملكيًا رسميًا. أطلق عليه اسم قصر الصفا تيمنًا بجبل الصفا الذي ورد ذكره في القرآن الكريم كأحد مناسك الحج، وهو اختيار يعكس اهتمام الأمير بالرموز الإسلامية والارتباط بالتقاليد الدينية.

الأمير محمد علي باشا توفيق، ثاني أبناء الخديوي توفيق والشقيق الذكر الوحيد للخديوي عباس حلمي الثاني، كان وصيًا على العرش بين وفاة الملك فؤاد الأول وجلوس ابن عمه الملك فاروق على العرش حتى بلغ السن القانونية في 28 إبريل 1936. ثم أصبح وليًا للعهد لحين إنجاب فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني. وقد لعب الأمير دورًا بارزًا في تطوير منطقة زيزينيا، حيث شجع النبلاء على بناء قصورهم، ما عزز من المكانة المعمارية والثقافية للحي.

يمثل القصر مزيجًا متقنًا بين الطراز الملكي العصري الأوروبي والفن الإسلامي الأصيل. فقد اهتم الأمير محمد علي بالفن الإسلامي، وأكد ذلك بنقش آيات قرآنية على جدران القصر، بما في ذلك النقش الشهير على المدخل:

“ادخلوها بسلام آمنين”.

تتنوع الزخارف التي تعكس الطابع الإسلامي، بينما يظهر الطابع الأوروبي في التصميم الهندسي للمساحات الداخلية وترتيب الغرف والقاعات الرسمية. وبالقصر حدائق واسعة، تحتوي على نباتات متنوعة وأماكن للاستراحة، ما يعكس الاهتمام بالجانب الجمالي والطبيعي جنبًا إلى جنب مع الفخامة المعمارية.

بعد ثورة 1952، أصبح قصر الصفا جزءًا من القصور الرئاسية الرسمية، حيث يُستخدم لاستقبال كبار الشخصيات والدبلوماسيين أثناء زيارتهم للإسكندرية. وعلى الرغم من مرور عقود على تأسيسه، ما زال القصر محتفظًا بمكانته التاريخية والمعمارية كأحد أبرز القصور الملكية في مصر، ويُعد شاهدًا حيًا على حقبة من أهم مراحل التاريخ الحديث للبلاد.

يعد القصر اليوم رمزًا للفخامة الملكية في الإسكندرية، ويعكس روح الفترة التي شهدت فيها المدينة ازدهار الطبقة العليا وبروز النخبة الاقتصادية. كما أنه يمثل نموذجًا حيًا للتوازن بين الطرازين الأوروبي والإسلامي، ويحتفظ بأهمية تاريخية كبرى في دراسة العمارة الملكية والعلاقات الاجتماعية والسياسية في مصر في القرن التاسع عشر والعشرين.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *