
قفص العنكبوت
بقلم الكاتبة / يسرا النوبي

دخل المنزل متحمسًا يحمل بين يديه قفصًا مغطى بقطعة قماشية سوداء تخفي محتوى القفص، فاجتمع حوله الأولاد مهللين لا يقلون عنه حماسة يتساءلون في فضول يطغى على تفكيرهم: ما الذي يحمله في هذا القفص؟
لكنه رفض البوح بسره إلا بحضور زوجته. فنادى عليها لتطل عليه من المطبخ وبيدها مغرفة وهي تقول:
_ أيوا أنا جايا أهو.
_ تعالي بسرعة هوريكي حاجة.
فحضرت على الفور وعينها على القفص، فرفع الغطاء على الفور تلبية لنداء فضولهم، لتجد أسفله عنكبوتًا ضخمًا متعدد الألوان حجمه كبير يملؤ القفص.
انبهرت به حين وجدته أمامها، بعد أن أمسى حديثًا على جميع الألسنة في الآونة الأخيرة حتى إن اقتناءه أصبح شيئًا أساسيًّا بعد أن ملأ بيوت الجميع كغزو من أسراب العناكب منذ أعوام ليست قليلة.
وها هو الآن أمامها فقد حان دورها لتراه.
تفحصت أرجله الثمانية ونظرت صوب عيونه في اندهاش فنهرها محذرًا
_بلاش تبصي في عينه علشان الإشعاع وعينك ماتتأثرش وتضعف منه.
هزت رأسها إيجابًا في طاعة…. اقترب منه وهو يستعرض لها قدراته البهلوانية في التعامل معه وهو يأمره:
_تعال.
فتحرك العنكبوت نحو جهته.
_ ارجع ورا.
فيعود للخلف.
زادت سعادة الأولاد بوالدهم ولمح في عين زوجته انبهارًا لا يصدق ضخ في أوردته الشعور بالثقة بالنفس والتفوق عليها.
كان يحاول ترويضه كحيوان أليف. وحين حاولت هي تقليده واقتربت منه حذرها في غضب فتراجعت على الفور.
كان يخشى أن تنخر حصن الأمان لديه في كونه المتفوق والذكي والناجح والذكر الذي لا يقهر وآخرهم كانت الأهم لديه، فهو ليس الذكر الذي تلتهمه بعد التزاوج ولن تستطيع.
كان يحب دومًا أن يبرز لها نقاط قوته لتخضع له في رهبة.
خوفه من ذكائها الدائم وتفوقها عليه كان كابوسًا يراوده دومًا فيضطره إلى قتل أي منفذ قوة تصل إليه حتى لو كانت معلومة جديدة لا يعرفها.
أحبها جاهلة غبية فاشلة مستسلمة وتابعة فقط لتحتاج دومًا له وبذلك يحقق كينونته.
ولهذا أحضر لها العنكبوت اليوم ليتباهى أمامها بقدرته العظيمة على ترويضه دون أن يحق لها المساس به…… هي فقط تسمع نصائحه وتنفذها بعقل مغيب تبتعد حين يأمر وتقترب حين يأمر ،لتصبح الساحة بأكملها له يفعل بها ما يشاء دون تهديد…. أما هي فمن الأفضل لها أن تظل أُمية محبوسة في قفصها تحت طوعه وأوامره.