لأنهن نساء..!!

بقلم  الكاتبة والمترجمة المصرية الأستاذة / سحر توفيق

15/9/2024

عندما قامت الأديبة الراحلة سمية رمضان بترجمة كتاب فرجينيا وولف، غرفة تخص المرء وحده، وضعت في مقدمتها موجزًا عن تاريخ الحركة النسوية، مؤكدة أن النص الأول الذي كان إشارة البدء “للأدبيات التي التفتت إلى نوع من الظلم يقع على النساء لمجرد أنهن نساء”، هو ما نشرته ماري ولستون كرافت جودوين (1759-1797) من دفاع “ناري عن حقوق المرأة في التعليم”، وقد نُشر عام 1792. ورغم أن هذا سبق قيام جون ستيوارت مل بنشر كتابه “قهر النساء” The Subjection of Women بما يزيد على سبعين سنة، فإن كتاب جون ستيوارت مل يُعد المرجع الأول في تأريخ أدبيات الحركة النسوية في أوروبا([1]). ثم تعود سمية رمضان لتذكرنا بعد بضع صفحات أن هذا يماثل ما حدث في مصر عندما ظل كتاب قاسم أمين يحتل نفس المكانة في تاريخ الحركة النسائية العربية([2])، رغم سبق زينب فواز بكتابها الأشهر الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، والذي صدر عن “المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية” سنة 1312 ه-1894م، لكن الإعلان عن الكتاب والعمل عليه استمر قبل هذا التاريخ بثلاث أو أربع سنوات. بينما صدر كتاب قاسم أمين “تحرير المرأة” عام 1899، ولحقه بكتاب “المرأة الجديدة” في 1900.

تقول زينب فواز، في مقدمة كتابها الضخم، وهو معجم ضخم لتراجم النساء، أنها أرادت أن تؤكد على أن النساء: “نبغ منهن جملة سيدات لهن المؤلفات التي حاكين بها أعاظم العلماء وعارضن فحول الشعراء…” وهو ما جعلها تقرر: “تأليف سفر يسفر عن محيا ذوات الفضائل من الآنسات والعقائل وجمع شتات تراجمهن بقدر ما يصل إليه الإمكان، وإيراد أخبارهن من كل زمان ومكان”([3]).

ماريلين بوث في كتابها May Her Likes Be Multiplied، والذي تُرجم إلى العربية تحت عنوان شهيرات النساء، إلى أن زينب فواز: “بالكتابة من خلال عُرف نخبوى محدد ثقافيًّا لرواية قصص الحياة الكاملة، استولت على جنس أدبى طويل العمر اختص به المؤلفون من الرجال، واستخدمته في خطاب ناشئ حول طبيعة تجربة المرأة وتطلعاتها، وهو الخطاب الذى سوف يمهد أرضية العمل للاتجاه النسوى الصاعد بين النساء العربيات”([4]).

وترى ماريلين بوث، كما يرى عدد آخر من الباحثين، أن كتاب الدر المنثور ليس مجرد معجم تراجم، لقد كانت زينب فواز في هذا الكتاب تكتب، لأول مرة باللغة العربية، تاريخًا نسويًّا، تاريخًا يحدثنا عن موقع النساء عبر التاريخ، ويضع لهن مكانة كثيرًا ما تجاهلتها كتب التاريخ، بالإضافة إلى أنها أكدت على ما اسمته الكاتبة بـ “الصدمة الأبوية”، والتي تعني بها “أنواع العنف التي تُمارس على النساء: على الجسد/ن من خلال الإسكات الفعلي والصوتي” وعلى النفس والروح من خلال الوقوف ضد “تمتعهن، أو تعبيرهن عن الفعالية أو الوكالة الشخصية”. أي الوقوف ضد أن تكون المرأة مسئولة عن نفسها([5]).

لا تقف مشكلة النظرة إلى إنتاج المرأة عند هذا الحد، حيث تؤكد لنا الدراسات المتخصصة في تاريخ الأدب العربي أن أول “رواية” عربية هي رواية “زينب” التي كتبها حسين هيكل، لكن الواقع أن روايات أخرى صدرت قبل هذه الرواية، منها رواية زينب فواز “حسن العواقب” أو “غادة الزاهرة” والتي صدرت عام 1899، أي قبل رواية حسين هيكل بخمسة عشر عامًا. ومنها رواية عائشة التيمورية “اللقا بعد الشتات”.

الإنتاج الاجتماعي والثقافي للمرأة، يُزاح إلى الخلف، في كتب التراجم القديمة، كانت سير النساء تأتي غالبًا في نهاية المعجم، وفي أغلب الأحيان، في فصل خاص بهن، وكأنه “حرملك” الكتاب. تجاهل دور المرأة، والإصرار على تجهيلها، حتى أن ينظر إلى عملها بالتجاهل أو التقليل من قيمته، كما يصر بعض مؤرخي الأدب على أن ما سبق رواية زينب من أعمال روائية “كانت مجرد تجارب لا قيمة لها”.

لكن زينب فواز وضعت كتابًا كاملاً لهن، كتاب: “أدخل في نطاق أهدافه تدويل النساء، أو جمعهن من كل الأجناس تحت مظلة النوع”، وهو كتاب “أدخل في نطاق أهدافه ’تدويل‘ النساء”. كما أنه كان نوعًا من كتابة “الطبقات” التي تتراكم فوق “وعي معاصر بأنماط التغير التاريخي”.

وتصور لنا ماريلين بوث ما قامت به زينب فواز من محاولة الوصول إلى المعرض الكولومبي العالمي بشيكاغو عام 1893، حيث كتبت إلى برتا أونوريه بالمر Bertha Honoré Palmer (1849-1918)، رئيسة مجلس المديرات لبناية ومكتبة المرأة، والتي صُممت لتكون مخصصة للنساء في المعرض الكولومبي. وفيه تقول أن أفضل هدية يمكن أن تمثل المرأة الشرقية هو كتابها الذي: “يحتوي على تراجم النساء وطبقاتهن في الهيئة الاجتماعية… جمعت فيه من تراجم شهيرات العرب ومتقدمات الإفرنج وملكات الشرق والغرب، من كل أديبة فاضلة وملكة عاقلة وفارسة وشاعرة وخطيبة وناثرة”. وتقول مارلين إننا لا نعرف في الواقع هل أُرسل الكتاب بالفعل أم لا، ولو كان قد أُرسل، هل عُرض في المعرض الكولومبي؟ بحثت المؤلفة عن أي دليل على ذلك ولم تجد، لكن ما وجدته هو ما نُشر في الصحف في ذلك الوقت حول ” ما يجري في الملاعب الشرقية من الرقص الأفعال الذميمة التي يأتيها النسوة في المسارح التابعة لجماعة العجم والسوريين”([6]).

في ذلك المعرض، نجد أن إيطاليا ترسل “مجموعتها الرائعة من المنسوجات التاريخية، والتي يرجع بعضها إلى ألف عام قبل الميلاد، حيث جاءت من المقابر المصرية والأترورية… وهي ملك خاص وشخصي للتاج الإيطالي” كما أنها: “لم تخرج من إيطاليا أبدًا!!”([7]). أما البلدان العربية، فبعضها رفض دعوة ذهاب النساء إلى المعرض “حيث أن التقاليد تمنع النساء من القيام بمثل هذا العمل”… “ولكن سوف يتم بذل مجهود لإرسال معرض صغير غير رسمي”، فما هو ذلك المعرض غير الرسمي؟ “إلى الغرب من بناية النساء، كانت مصر ممثلة بشكل مختلف تمامًا، بعروض ’الرقص الشرقي‘ على المسرح المصري الصغير”([8]).

فهل هذا هو ما أصرت الجهات “الرسمية” على إرساله بشكل “غير رسمي”؟ وأنا شخصيًّا لا أعترض على إرسال وفد من فناني وفنانات الرقص أو الغناء أو غير ذلك من الفنون الأدائية، لكن ما يثير الفضول والتساؤل هنا هو اعتبار أن هذا هو الممثل الوحيد لثقافتنا، بينما كتاب زينب فواز لم تلتفت إليه الجهات “الرسمية” ولم تحاول دعمه، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى نجد أن ما خرج من المقابر المصرية مستخدم لتمثيل المرأة الإيطالية!! حقًّا؟!!

لكن هذه النقطة مسألة تختلف قليلاً، حيث أنها تضيف إلى تهميش المرأة تهميشًا آخر للثقافة العربية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص ما ينتمي منها إلى المرأة العربية. فهل التهميش الواقع على المنتج الثقافي العربي يصبح أكثر كثافة على المرأة؟ أظن هذا هو واقع الحال.

[1] ) فرجينيا وولف، غرفة تخص المرء وحده، ترجمة سمية رمضان، طبعة دار العين للنشر، 2023، ص9.

[2] ) المرجع السابق، ص23.

[3] ) زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1312ه (الطبعة الأولى)، ص6.

[4] ) ماريلين بوث، شهيرات النساء: أدب التراجم وسياسات النوع في مصر، ترجمة سحر توفيق، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2008.

[5] ) ماريلين بوث، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: كتابة تاريخ نسوي من خلال التراجم بمصر أواخر القرن التاسع عشر، ترجمة سحر توفيق، المركز القومي للترجمة، 2022، ص36.

[6] ) المرجع السابق، ص248.

[7] ) شهيرات النساء، ص103.

[8] ) المرجع السابق، ص104.

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *