
مروي : صوت من حجر، منقوش بالصمت... فهل نُصغي؟
بقلم الدكتورة/ بلسم القارح- السودان

من بين رمال مروي، وفي صمت المعابد القديمة، تتحدث إلينا لغة لا نكاد نفهمها، لكنها تحمل بين رموزها ذاكرة شعب، وأسرار حضارة. إنها اللغة المروية، التي كانت يومًا لسان مملكة مزدهرة في شمال السودان، لكنها اليوم لغز ينتظر أن يُفك.
في هذا المقال، أقدّم قراءة مبسطة وشغوفة لما كتبه الدكتور الراحل عبد القادر محمود عبد الله حول هذه اللغة التي تأسر الباحثين، وتُثير فضول كل من تؤرقه الذاكرة ويأسره عمق الهوية
“لغة اخترعت نفسها!
تخيّلوا حضارة أحاطت بها مجموعات حضارية عديدة، تأثرت بها وأثّرت فيها، لكنها لم تذُب في غيرها، بل ابتكرت لنفسها نظام كتابة خاصًا، يُعبّر عن هويتها ويُميزها عن سواها. هذا تمامًا ما فعلته مملكة مروي، التي استخدمت نوعين من الكتابة:
• كتابة هيروغليفية مروية ذات طابع تصويري،
• وكتابة ديموطيقية مروية وهي أبسط وأكثر سلاسة. ، تُستخدم على أوراق أو ألواح حجرية.
حوالي 23 رمزًا فقط شكّلت هذه اللغة، تمثل أصواتًا ومقاطع. وقد نجح الباحثون في فهم بعض الكلمات، مثل “qore” التي تعني “الملك”، لكنها ما زالت بداية طريق طويل لفهم اللغة كاملة.
هل لهذه اللغة أقارب؟
يحاول الباحثون تتبع صلة اللغة المروية باللغات الحيّة فبعض الباحثين يعتقد أن اللغة المروية تنتمي إلى اللغات النيلية الصحراوية المنتشرة في السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى. وهناك من يرى أنها قد تكون قريبة من اللغة النوبية الحديثة، بحكم الجوار الجغرافي والتقارب الثقافي.
لكن الحقيقة؟ لا أحد يعرف تمامًا. فعدم وجود نصوص ثنائية اللغة،، مثل “حجر رشيد”، يجعل المقارنة صعبة، والمهمة معقّدة فيزيد من غموض هذه اللغة الساحرة. أن كل ما لدينا حتى الآن هو نقوش قصيرة، تكرّر صيغًا ملكية أو دينية، ما يترك الباب مفتوحًا أمام الفرضيات.
لماذا نهتم؟
لأن اللغة ليست مجرد كلمات، بل نافذة على الروح.
فك رموز اللغة المروية يعني:
• الاقتراب أكثر من تفاصيل حضارة أفريقية مستقلة،
• فهم كيف كان الناس يفكرون، يعبدون، ويحكمون،
• واستعادة جزء من هوية سودانية نعتز بها.
إنها ليست مهمة أكاديمية فقط، بل رحلة نحو الجذور، واعتراف بجمال ما طمره النسيان.
صوت الماضي… ينتظرنا
اللغة المروية لم تمت، بل هي صوت خافت في انتظار من يصغي إليه بذكاء وتوق.
وربما، فقط ربما… تكون من بين من تقرأ هذا المقال الآن،و قد تحمل المفتاح لفك هذا اللغز ذات يوم.