
مساجد الإسكندرية العتيقة ( الجزء ٢) مسجد إبراهيم تربانة – تحفة معمارية في شارع فرنسا
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار- مصر

في هذا الأسبوع، اخترت لكم مسجدًا قد يمر به الكثيرون دون أن يعرفونه، رغم أنه يقع بشارع فرنسا، أحد أشهر شوارع الإسكندرية في بيع جميع الأغراض بالجملة، ألا وهو مسجد إبراهيم تربانة.
تاريخ الأثر:
أُنشئ هذا المسجد سنة 1097 هـ / 1685 م.
ويُعد من المساجد المعلّقة، إذ يشغل الطابق الأرضي منه مجموعة كبيرة من المحال التجارية. أنشأه الحاج إبراهيم تربانة عام 1097 هـ.
الموقع:
يقع المسجد بحي المنشية في مدينة الإسكندرية بشارع فرنسا، وتُعدّ الواجهة الغربية هي الرئيسية، إذ تطل مباشرة على الشارع. أما الواجهة الشرقية، فتطل على شارع مولاي محمد، في حين تطل الواجهة الجنوبية على شارع جانبي متفرع من شارع مولاي محمد. يمتاز المسجد بمدخل يقع في نهاية المجنبة الغربية عند زاوية يلتقي فيها ضلع الواجهة الغربية بالشمالية، ما يُشبه واجهات مداخل المساجد العثمانية بمدينة رشيد.
الوصف الزخرفي:
يتميز المسجد بأعمال زخرفية غنية، منها:
– بلاطات القيشاني: تكسو الجدران الداخلية وواجهة بيت الصلاة. تعود هذه البلاطات إلى العصر العثماني، وتمتاز بألوانها: الأزرق، البني، والأحمر القرمزي. تتنوع أشكالها بين هندسية ونباتية مثل زهرة “لاله”، وهي منتشرة بمدينة برلين. وتُظهر بعض هذه البلاطات أنها أُضيفت لاحقًا، ما يدل على تطور زخرفة المسجد بمرور الزمن.
– الزخارف الكتابية: تظهر في المدخل الرئيسي، حيث لوحتان من الطوب المنجور عليهما كتابات كوفية مربعة نصها:
«لا إله إلا الله محمد رسول الله».
تتوسطهما لوحة خشبية نُقِش عليها: «ادخلوها بسلام آمنين».
أما اللوحة التأسيسية فوق مدخل بيت الصلاة، فنُقِش عليها بخط النسخ:
– بسم الله الرحمن الرحيم
– إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله
– هذا المسجد أنشأه الحاج إبراهيم تربانة
– سنة 1097 هـ
النوافذ:
يضم المسجد عددًا كبيرًا من النوافذ: خمس على يمين جدار القبلة، وخمس على يساره، واثنتان في الجدار المقابل. جميعها مغطاة بخشب الخرط وزجاج داخلي، تعلوها شبابيك صغيرة مطابقة في العدد.
العناصر المعمارية:
– الأعمدة والتيجان: أعمدة المسجد ضخمة وسميكة، ولكنها أقل سماكة من أعمدة المجنبة الشمالية، وتيجانها ذات طراز كورنثي.
– المحراب: يقع في جدار القبلة عند منتصف بيت الصلاة، عبارة عن فتحة مستطيلة بطول يعادل ضعفي عرضها ونصفه، ويحيط بها عمودان من الرخام الأبيض المثمن. يُزينه عقد مدبب، وتُعرف الزخرفة بداخله بزخرفة “الصدفة”، وتتوزع ألوانه بين الأبيض، الأصفر، والذهبي.
– مقاسات المحراب: العرض 2.80 م، عمق الجوفة 95 سم.
– المنبر: مصنوع من الخشب، عرضه 95 سم، طوله 3.55 م، ارتفاع عتبته 40 سم. يتكون من ثلاث واجهات: الأمامية بها باب مزدوج، والجانبيتان مزخرفتان بأشكال هندسية بأسلوب الحفر، أما السياج بمحاذاة السلم فزُخرف بأسلوب المفروكة الإسلامية.
– المئذنة: جزء من الواجهة، وتقوم على عمودين يشغلان ركنًا بأحد الدكاكين في الطابق الأرضي، وتستند بدورها إلى عمودين من الجرانيت. قاعدة المئذنة تلتصق بجدار الواجهة الشمالية، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء تعلو في الفضاء وتنتهي بالجوسق.
التخطيط والوصف الداخلي:
يتكوّن بيت الصلاة من ثلاثة أروقة عمودية على جدار القبلة، وخمسة أروقة موازية له، تُشكلها ثمانية أعمدة رخامية بيضاء تحمل عقودًا مدببة. أما قواعد الأعمدة فبسيطة وتيجانها كورنثية.
الأسقف:
يغطي المسجد سقف من البراطيم الخشبية المزيّنة بزخارف زيتية، عبارة عن “جامات” تتوسطها زخارف نباتية داخل إطارات هندسية، فيما تخلو براطيم المجنبات من الزخرفة.
نوافذ النساء:
أُقيمت نوافذ بارتفاع يُناسب قامة الواقف، ويُفتح منها مدخل النساء من جهة المجنبة الجنوبية داخل بيت الصلاة. توجد سقيفة للنساء بالرواق الأخير، يمكن الوصول إليها عبر سلم داخلي.