مسجد أبو علي الأثري بالإسكندرية

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 06 في 14.33.58 ec527e0d

مسجد أبو علي الأثري بالإسكندرية

بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور – كبير الباحثين بدرجة مدير عام – وزارة السياحة والآثار

صورة واتساب بتاريخ 1446 11 03 في 16.23.05 d4164373


يقع مسجد “أبو علي” الأثري في قلب منطقة الجمرك بمحافظة الإسكندرية، ويطل على ثلاثة شوارع: شارع مسجد أبو علي الذي سُمي باسم المسجد، وشارع قبو الملاح، وشارع علي بك جنينة، بالإضافة إلى حارة البلقطرية.


تعود نشأة المسجد إلى عام 678 هـ الموافق 1279م، حين أنشأ ابن رشيد مدرسة خصصها لتلاوة القرآن الكريم والحديث الشريف ودراسة الفقه على المذهب الشافعي، عُرفت آنذاك باسم “دار الحديث التكريتية”. وكان ابن رشيد تاجرًا في تلك الحقبة، وقد أعاد الأمير مصطفى تجديدها عام 1077م.


ظل مسجد “أبو علي” منارةً علميةً لقرون، حيث خُصص لتعليم القرآن الكريم ومبادئ المذهب الشافعي، وارتبط اسمه بـ”دار الحديث التكريتية” نسبة إلى مؤسسها عبد اللطيف التكريتي. وقد اختير موقعه لقربه من ميناء الإسكندرية، ما جعله مقصدًا للتجار القادمين عبر البحر المتوسط.


وسُمي المسجد بهذا الاسم نسبةً إلى “أبو علي”، أحد وجهاء المنطقة في ذلك العصر، الذي ساهم في بنائه وأشرف عليه. وكانت تلك المنطقة تُعرف بنشاطها التجاري المزدهر، إذ كانت السفن تُبحر إليها من مختلف أرجاء الوطن العربي، ولاسيما من العراق وتونس والمغرب.


ويُعد المسجد أحد المواقع المسجلة وفقًا لقانون الآثار، وتوجد به لوحة تأسيسية، وهو يخضع حاليًا للإشراف الأثري والهندسي من قبل وزارة السياحة والآثار، بعد أن كان تابعًا لهيئة الآثار الإسلامية سابقًا.


المسجد مبني على عمود مركزي تنبثق منه أربعة عقود تحمل قبابًا ضحلة، تحمل دلالة فلسفية رمزية تشير إلى المذاهب الأربعة السنية. ويضم المسجد لوحتين من الرخام تُوثّقان تاريخ بنائه؛ الأولى أمام بيت الصلاة، والثانية عند المدخل الأوسط لباب الصلاة. أما أبوابه ونوافذه، فهي مصنوعة من الخشب، ولا يزال المسجد محافظًا على هيكله المعماري القديم، وتبلغ مئذنته ارتفاع 13 مترًا.


هناك دراسة مقارنة بين مسجد “أبو علي” (دار الحديث التكريتية) ومسجد “عبد القادر الجيلاني” الذي ناقشنا أمره الأسبوع الماضي، وتُظهر هذه الدراسة نقاطًا مشتركة بارزة:


1. الارتباط المعماري والزمني

يتشابه المسجدان في التصميم ومواد البناء، ما يدل على تشييدهما في نفس الفترة التاريخية: نهاية العصر الأيوبي وبداية العصر المملوكي.


2. الوظيفة التعليمية والدينية

كلا المسجدين أدّيا وظيفة نشر العلم الديني وتعليم المذاهب السنية وتدريس الحديث النبوي الشريف وتلاوة القرآن الكريم.


3. تحوّل الوظيفة عبر الزمن

كانت المباني المجاورة للمسجد مخصصة لطلاب العلم، لكنها تحوّلت في العصر العثماني إلى “تكايا”؛ وهي أماكن تُقدَّم فيها خدمات الطعام والشراب والمأوى للفقراء والمحتاجين والمسافرين، وشكّلت التكايا مؤسسات خيرية ذات بُعد اجتماعي وإنساني عميق.


4. مفهوم التكية في الإسلام

تعكس “التكية” مبدأ التكافل الاجتماعي الإسلامي؛ حيث تُقام غالبًا من خلال الأوقاف، فتُخصص الأموال والعقارات لتمويل أنشطتها.


5. التكية في العصر الحديث

مع تطور المجتمعات وظهور مؤسسات الرعاية الاجتماعية الحديثة، أصبح نموذج التكية أكثر تنظيمًا وتخصصًا، ولا تزال تلعب دورًا جوهريًا في دعم الفئات المحتاجة حتى يومنا هذا.


وقد آلمتني حال مسجد عبد القادر الجيلاني خلال زيارتي الميدانية له الأسبوع الماضي، إذ يعاني من إهمال بالغ، وإغلاق تام، ومنع إقامة الصلاة فيه، بالإضافة إلى انهيارات في بنيانه التاريخي. ومن هنا، أُناشد كل من يهمه أمر التراث والعراقة، ضرورة العمل على إعادة ترميم المسجد، وإنقاذه من مصير النسيان، وإعادته للحياة من جديد.


ففي الإسكندرية، لا تنتهي الحكايات… ولا تبهت الذكريات.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *