معاناتي مع القلق

معاناتي مع القلق

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم- استشاري نفسي 



قالت في بداية جلستها الأولى: “استيقظت من نومي في منتصف الليل تقريبًا، على دقات قلب متسارعة وقوية، وجفاف في الفم، وعرق شديد، وتنميل شديد في أطرافي، ولم أكن قادرة على تحريك قدميّ، وكان هناك رعشة في يديّ، وفي نفس الوقت لم أكن قادرة على التنفس بشكل عميق، وكأنني أختنق، وتملكني خوف شديد بأنني على وشك الموت بين لحظة وأخرى. اضطررت إلى إيقاظ زوجي وطلبت منه أن يوقظ أولادي كي أودعهم قبل أن أموت.


حاول زوجي تهدئتي بكلمات مطمئنة، ولكنني لم أتمكن حتى من سماعها، وبدأت أبكي بألم شديد وسيطرت عليّ فكرة الموت، وأني لن أتمكن من أن أكون مع أسرتي وأولادي بعد الليلة.


توقفت قليلًا عن الحديث وبدأت تتذكر أحداث تلك الليلة المفزعة، ثم أكملت حديثها: “اقترح زوجي الذهاب إلى أقرب مستشفى بجوار منزلنا في المنطقة التي نعيش بها، وبالفعل في أقل من ساعة وجدت نفسي داخل قسم الطوارئ. جاء أكثر من طبيب باهتمام كبير لإسعافي والتعرف على الشكوى التي أعاني منها. ساعدني زوجي في توضيح ووصف ما أشكو منه ولماذا جئنا إلى قسم الطوارئ. قاموا بفحوصات طبية سريعة من قياس ضغط الدم وأخذ عينات دم لتحليلها، وانتظرنا نتائجها. على الرغم من أن ضغط الدم والمؤشرات الحيوية الأخرى كانت جميعها سليمة وطبيعية والحمد لله، إلا أنهم كانوا في حيرة من أمري بسبب الشكوى والأعراض التي أعاني منها.


ثم اقترح أحدهم إعطائي حقنة مهدئة وإدخالي إلى قسم الرعاية المركزة حتى يتأكدوا من نتائج التحاليل ودراسة حالتي. بعد عدة ساعات استيقظت في الصباح وأنا في دهشة، غير مصدقة أنني ما زلت على قيد الحياة.”


هذا الوصف الدقيق الذي أفصحت به هذه السيدة في عيادتي النفسية ما هو إلا حالة من حالات القلق العصابي (سأتحدث عنه مفصلًا فيما بعد)، وهو يأتي بأشكال متعددة بحسب شدته وظروفه؛ فقد يكون حالة انفعالية شديدة أو يتزايد لدرجة أن يستجيب الجسم بالقشعريرة والرعدة وتوتر العضلات، أو يتحول في الحالات المتطرفة إلى نوبة حادة من الذعر. فالذعر درجة أشد من درجات القلق.


ما نقصده بمفهوم “القلق العصابي” أي Neurotic Anxiety، وهو مصطلح يستخدمه علماء النفس والأطباء النفسيون لوصف طائفة من الأمراض النفسية التي يتميز أصحابها بالانفعال الشديد وعدم الاستقرار النفسي والتقلب الانفعالي. وتسيطر على العصابي أعراض مرضية متنوعة منها الخوف، القلق، الاكتئاب، والوساوس الفكرية.


يمثل القلق العصابي سمة رئيسية في معظم الاضطرابات النفسية، ونجدها مرافقة لكثير من الحالات الانفعالية المضطربة التي تتسم بالانفعال الشديد بمواقف وأشياء لا تستدعي بالضرورة الانزعاج. الشخص في حالات القلق العصابي يجد حياته الوجدانية والفكرية والاجتماعية نهبًا لهذا الشعور بحيث قد يجد نفسه عاجزًا عن الحركة الإيجابية والتفاعل العادي بالحياة.


وإن كانت أنواع القلق العصابي تتفاوت بحسب الشدة فإنها تتفاوت أيضًا من حيث استمرارها. فقد يأتي القلق مفاجئًا وسريعًا كما في حالات الذعر والفزع، أو يأتي بطيئًا وعلى فترات ممتدة. يستمر أحيانًا لفترات قصيرة، أو قد يبقى فترات طويلة حتى يتحول إلى حالة دائمة وسمة مستقرة من سمات الشخصية. إلا أن نوبة القلق الشديد أو موجة “الذعر” عادة لا تبقى أكثر من نصف ساعة كما تبين البحوث، وإلا لهلك الإنسان ضحية له.


وقد يسمى “القلق العصابي الموقفي” إذا ما أثارته مواقف خاصة محددة كما في حالات المخاوف المرضية. ويسمى “القلق التلقائي” إذا شعرنا به دون وجود عوامل خارجية معروفة. أما إذا ثار القلق لمجرد التفكير في موقف مخيف سيحدث لنا، فنسميه “القلق الاستباقي” لأنه يستبق الأحداث ويهدد الكائن بأشياء غير موجودة الآن ولم تحدث بعد.

وهنا قد نخلص إلى أن القلق عبارة عن حالة وجدانية غير سارة تتسم بالخوف والتوجس وتوقع الأخطار والكوارث. وليس بالضرورة أن تكون هذه الأخطار حقيقية، بل يكفي أن يراها الفرد كذلك. والقلق هو خبرة انفعالية عامة يعاني منها كل فرد دون استثناء. وما يميز مرضى القلق عن الأفراد الآخرين هو أن مرضى القلق يعيشون مواقف القلق في غالبية الوقت، ويختبرونه بدرجات أشد من الآخرين.


على الرغم من أن بعض الناس قد يتصورون دائمًا أن القلق علامة على المرض، فإن هذا غير صحيح لأن هناك حالات من القلق المحمود الذي يدفع الإنسان للنشاط والإعداد للمستقبل ومواجهة الأخطار الفعلية.


مثل هذا النوع من القلق يختلف عن القلق العصابي، أي القلق المرضي الحاد الذي يعطل إمكانيات الإنسان عن النمو.


نعود إلى حالة السيدة التي ذكرناها في بداية مقالنا. فقد اشتملت خطتنا العلاجية لها على عدة نواحٍ هامة منها:


– دراسة دقيقة وشاملة لمعرفة متى وكيف بدأت الأعراض المرضية المرتبطة بالقلق وكيفية استجابتها لها، وكيفية معالجتها والوقاية من تعميم مخاوفها على حياتها الشخصية والعائلية.


– كانت المريضة تعاني من علاجات طبية سابقة تم وصفها لها (أي العقاقير الطبية المضادة للقلق)، وكانت ترغب في التخلص منها بسبب الآثار الجانبية ومضار العلاج الكيميائي.


– تم أيضًا تشجيع المريضة على فهم دقيق لاستجابتها للعقاقير الطبية المضادة للقلق وأن هناك فروق فردية في فعالية هذه العقاقير، وأنها قد تؤدي إلى استجابات متباينة بين الأفراد المختلفين.


– كما تم استبدال العقاقير الطبية بالحفاظ على سلامة صحة المريضة باستخدام الفيتامينات والمعادن الضرورية.


وكان الاعتماد الأساسي على العلاج النفسي السلوكي بمحاوره الأربعة:


1. المحور الموقفي: مواجهة مواقف القلق.

2. المحور الانفعالي: التدريب على أساليب الاسترخاء.

3. محور التفكير: تعديل المعتقدات الذهنية الخاطئة.

4. المحور الاجتماعي: تدريب المريضة على الثقة بالنفس وحرية التعبير وتوكيد الذات.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *