معركة اللغة العربية مع رطانة المتحضرين

WhatsApp Image 2025 01 02 at 14.54.19 e1b02ce3 1

معركة اللغة العربية مع رطانة المتحضرين

 الكاتبة و الناقدة / زينب السعود – الأردن

WhatsApp Image 2025 01 02 at 14.54.19 e1b02ce3 1



في كثير من  حوارات الحضارة والفكر والحداثة والتنوير يتم الترويج للغة العربية كمعضلة مستعصية وعقبة كؤود تقتحم طريق الجيل الجديد من أبناء العروبة والعربية ، وتتبارى بعض المنصات الإعلامية في بحث واقع اللغة العربية وتكثر من أسئلة قدرتها على المواكبة في ظل عصر التفجر المعرفي وتداخل الأفكار وما يراد من عولمة الثقافة زورا وبهتانا وهو في حقيقة الأمر إقصاء خبيث لواحدة من اعظم اللغات التي عرفتها البشرية : اللغة العربية . وبينما يستعذب البعض الرطانة باللغات الإنجليزية والفرنسية وغيرها ، فإن نفسه تعاف العربية بمصطلحاتها وعباراتها ويأنف لسانه من استخدامها هاربا إلى بضع كلمات درسها أو حفظها أو لاكها لسانه في بيئة تعليمية أو بحثية أو في سفر أو ما شابه مضطرا إليها كوسيلة تواصل مع الآخر . ولكن ماذا عن التواصل مع الذات ؟ وماذا عن التواصل مع بيئة الفرد الأصلية ومنابعها الفكرية والحضارية والتراثية ؟

اللغة أوثق عروة بين أبناء البيئة الواحدة ، وهي الرمز الأوحد لما بين الناس من مشترك فكري وثقافي وهوياتي وهي حارس هذا كله والقائمة على حفظه كونها أداة التفكير ووسيلة الفهم والتفاهم ونقل أفكار السلف إلى من جاء بعدهم من خلف ، وهي بهذا الوصف العنصر المهم في توحيد الفكر والشعور ولهذا أطلق فيخته على اللغة ( إسمنت الشعوب ) .لأنها تلازمه في حياته وتظهر أخفى رغباته وتغوص في عمق وجدانه . وقد وصف مصطفى صادق الرافعي اللغة في كتابه وحي القلم بأنها صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها . والناظر في دعاوى صعوبة العربية وعدم صلاحيتها لمواكبة الركب الجديد لا يخفى عليه أنها دعاوى صادرة من ثلاث فئات : ضعيف لسان وفهم لا يريد أن يجشم نفسه عناء تعلم العربية ، أو خبيث نفس يستعدي اللغة من عدائه للدين والقرآن ، أو غافل مسلوب العقل والفكر منبهر بحضارة الغرب فينسب كل تخلف عند العرب إلى تمسكهم بلغتهم العربية .

وهؤلاء جميعا تشمئز نفوسهم من ذكر المتنبي والبحتري والجاحظ والزمخشري والرافعي وغيرهم من أهل اللغة سلفا ومحدثين ، بل تزدري نفوسهم آداب العرب التي خلدتها العربية وعلى راسها الشعر لذلك أول عبث طال شكل القصيدة الشعرية وما زالوا بالشعر تحديثا وتطويرا حتى خرجوا علينا بهجين مستهجن يسمى قصيدة النثر تلته ثلة أخرى من المسميات الغريبة والموغلة في إفساد الذائقة ،النثر المشعور والشعر المنثور .ومن مصائب العصر الحديث على اللغة علو شأفة صناع المحتوى التافه فيما سمي بوسائل التواصل الاجتماعي ، وكثير منهم يتبجح ليل نهار بفشله التعليمي الذي عوض عنه بما يقدمه من تفاهة راجت أسهمها وزاد عدد داعيمها ومتابعيها . قد يخطئ أحدنا في نطق كلمة انجليزية فتقوم القيامة عليه ويتطوع الكثيرون لتصويب ذلك الخطأ الجسيم الذي يطعن في تحضره ، وأخطاء لغوية وإملائية تقتحم أبصارنا صباح مساء في الإعلانات والمحتوى الذي تم سلقه عبر وسائل التواصل الحديثة ولا أحد يستنكر هذه الأخطاء ولا هيئات أو مؤسسات تتصدى لهذا العبث باللغة العربية والتساهل فيها.

نعم هناك فجوة كبيرة بين العربية وأبنائها في هذا العصر ، لكنها فجوة مصنعة ومرادة ومدبر لها بليل ، فبعد أن عبث الاستعمار بالمكونات الاجتماعية والثقافية للدول التي احتلها حاول طمس ملامح هويتها الأصلية المتمثلة في اللغة الأم ، وما حدث في الجزائر على يد المستعمر الفرنسي خير دليل ، إلا إن اللوم لا يقع فقط على المستعمرين بل جزءا كبيرا منه يتحمله أهل اللغة وأبناؤها الذين استسلموا لدعوات التغريب وصدقوا دعاوى صعوبة العربية وقصورها عن التعبير عن علوم العصر ومعارفه مع ما هي عليه من صفات القوة والغزارة اللفظية وطواعيتها للاشتقاق واتساع عنصر التصوير البياني وتدفقه .لقد صدق نزار قباني عندما وصف حالنا مع اللغة :” تسأل الواحد منهم عن المتنبي فينظر إليك باشمئزاز وكأنك تحدثه عن الزائدة الدودية …إنهم يريدون فتح العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب “.

ومع كل ما في الصورة من ضبابية قاتمة إلا أن الأمل باق ، بان هذه اللغة ستنهض بعد كبوة وسيستيقظ أبناؤها من غفلتهم ويلتفتوا إلى منبع القوة والعزة التي بين أيديهم . قل متى هو ؟؟ عسى أن يجعله ربي قريبا.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

فكرتين عن“معركة اللغة العربية مع رطانة المتحضرين”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *