مهرجانات التقويم المصري القديم: احتفالات الحياة والإيمان
الدكتور/ حسين عبد البصير
الاحتفالات جوهر الروح المصرية
منذ آلاف السنين، عُرف المصريون القدماء بحبهم للاحتفال وتقديرهم للمناسبات الدينية والاجتماعية. كانت المهرجانات أكثر من مجرد وقت للراحة أو الترفيه، بل كانت مناسبات عظيمة تجمع بين الأرض والسماء، بين البشر والآلهة، بين الماضي والحاضر والمستقبل.
التقويم المصري: إيقاع الطبيعة والحياة
اعتمد المصريون القدماء على تقويم مدهش الدقة، قسّم السنة إلى ثلاثة مواسم رئيسية:
• موسم الفيضان (آخت – Akhet): بداية الحياة مع ارتفاع مياه النيل (أشهر: مسرى، وتوت، وبابه، وهاتور).
• موسم الزراعة (برت – Peret): وقت البذر والنمو بعد انحسار الفيضان (أشهر: كياك، وطوبة، وأمشير، برمهات).
• موسم الحصاد (شمو – Shomu): الحصاد والازدهار (أشهر: برمودة، وبشنس، وبؤونة، وأبيب).
وفي نهاية السنة، أضيفت خمسة أيام احتفل فيها المصريون بأعياد ميلاد أوزيريس، وحورس، وست، وإيزيس، ونفتيس.
أبرز المهرجانات في العام المصري القديم
احتفالات عامة
• عيد رأس السنة (1 توت): بداية عام جديد مفعم بالأمل.
• ظهور نجم سوتيس (11 توت): حدث فلكي مبشر بفيضان النيل، مصدر الخير والنماء.
• مهرجان النيل (15 توت): احتفالات كبرى لتكريم النيل وتقديم القرابين لضمان فيضانه.
احتفالات دينية كبرى
• مهرجان الأوبت (15-19 بابه): موكب مهيب ينتقل فيه تمثال الإله آمون من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر، احتفالًا بالتجدد والتواصل مع الإله.
• أساطير قيامة أوزيريس (22 كياك): طقوس مؤثرة تحيي قصة موت وقيامة الإله أوزيريس، رمز الخلود والانبعاث.
• مهرجان الوادي الجميل (1 بؤونة): لقاء بين الأحياء وأرواح أجدادهم في زيارات مليئة بالمحبة والوفاء.
احتفالات محلية مميزة
• مهرجانات خنوم وعنقت في إلفنتين.
• عيد حتحور في دندرة.
• دراما انتصار حورس في إدفو، تجسيد رمزي لصراع الخير والشر.
طقوس ساحرة تجمع بين الفن والدين
كانت المهرجانات تتميز بموكب الإله، حيث يُحمل التمثال المقدس على محفة مزخرفة تشبه السفينة، وسط عزف الموسيقى ورقصات الفرح. الكهنة، والجنود، والراقصون، والمغنون، جميعهم شاركوا في صنع لوحة احتفالية مبهرة. وكانت تلك فرصة نادرة للمصري العادي للتواصل المباشر مع الآلهة وطلب البركة أو التنبؤ بالمستقبل.
المهرجانات… مرآة روح مصر
عكست تلك المهرجانات العلاقة العميقة بين الإنسان المصري القديم والطبيعة والإله. لم تكن فقط أيام عطلة وولائم، بل كانت تجديدًا سنويًا للعهود مع قوى الحياة والموت والخصوبة. حتى اليوم، تبقى روح تلك الاحتفالات حية في وجدان المصريين وفي طقوسهم الاجتماعية والدينية.