
ميدان المساجد بمدينة الاسكندرية
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام – وزارة السياحة والآثار- مصر

زار الملك فؤاد الأول، ملك مصر مدينة الإسكندرية بمظهر يليق بعظمتها وحضاراتها المتنوعة فقام بتشييد ميدان واسع الجنابات مساحته تبلغ ٤٣٢٠٠ م سُمى بميدان المساجد يضم عدد من المساجد الشهيرة بالإسكندرية أهمها مسجد سيدى ابوالعباس ‘مسجد البوصيرى ومسجد ياقوت العرش ومساجد اخرى محيطة بهم وأثنى عشرة ضريح ترجع لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وسوف نتحدث عن أهم هذه المساجد وأبرزها وهو مسجدسيدى ابى العباس المرسى وسنقوم تباعا بالحديث عن ميدان المساجد و حياة العارف بالله.
هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن على الخرزجي الأنصاري المرسى البلسني ولد ٦١٦هـ ۱۲۱۹م وكان أبوه يعمل بالتجارة و أمه فاطمة بنت عبد الرحمن المالقية نسبة إلى مالقة وكان الآخ الأكبر يعمل بالتجارة، قضى أبو العباس طفولته في رعاية والديه ولما بلغ الرابعة والعشرين من عمره سنة ٦٤٠ عزم والده على الحج وأمه وأخاه وركبوا سفينة و اشتدت عليهم الرياح وهاجت الأمواج عند ساحل بونه تونس فغرقت السفينة وأستشهد الرجل وزوجته ونجا الولدان من الغرق طابت لهم الإقامة بتونس مدة طويلة وبعدها انتقل أبي العباس إلى مصر حيث نزل بالأسكندرية ٦٤٢م وقضى بها البقية الباقية من حياته مع التنقل بين أرجاء البلدان المصرية حتى وافته المنيه فى مدينة الأسكندرية في ٢٥ ذو القعدة بداخل مسجده المعروف ، وقد تزوج أبنة أستاذه وشخيه أبو الحسن الشاذلي وانجب منها ولدين هما جمال الدين ومحمد أبو العباس وبنت هي بهجة التي تزوجها تلميذه ياقوت العرش، ودفن الولدان بجوار أبيهما في مثواه الأخير بالمسجد وقد توفى العارف بالله أبي العباس ٦٨٦هجريا ، وقد خلفه العديد من تلاميذه أمثال ياقوت العرش ، ابن عطا الله السكندري – البوصيرى – القباري – وغيرهم.
نشأة المسجد
في سنة ٧٠٦ هـ أتم بناء قبر أبي العباس ليميزه الناس عن سائر القبور المحيطة به وقد جاء إليه من شتى البقاع الناس ليزورونه ويتذكرون أثاره ، ففي ١١٨٩هـ
۱۷۷۵ م زار ضريح ابي العباس احد المغاربة وهو في طريقه للحج فشاهد تصدع البناء وضيق المسجد فعمل على إصلاح رقعته من القبلة ومن جهة المقصورة وبقى المزار موضوع عناية الاهالى حتى عهد الملك فؤاد الأول الذىتولى الاهتمام بالميدان بأكمله ومساحة جامع أبي العباس تبلغ ۳۰۰۰م وقد وضع تصميم المسجد بحيث يكون مثمن الشكل منتظم من الداخل المهندس المعماري ماريو روسو الأيطالي الجنسية الذي ولد ۱۸۹۷ م ومات بالقاهرة ١٩٦١م والذي أعلن إسلامه بصحن المسجد بعد إتمام بنائه وقد قام بتشييد مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية ومسجد محمد كريم وعمر مكرم بالقاهرة وفى ١٣٦٢ هـ ١٩٤٣م عهد المسجد الجديد الذي نراه اليوم في صورته الجديد بعد أن أستغرق بنائه وتجديده وتوسيعه ١٤ سنة وقد بلغت مجموع التكاليف النهائية ١٤٠٠٠٠ جنيه انذاك.
الوصف الداخلي للمسجد و تخطيطه :
كما ذكرنا أن تصميم المسجد وضع بحيث يكون مثمناً منتظم الأضلاع من الداخل طول كل ضلع منها ۲۲ م__و ۱۷,۲۰م أرتفاع السقف ، والضلع الغربى له باب خاص يطل على الميدان أما الأضلاع الأربعة الأخرى من المثمن فيكون بجانبها ضريح العارف بالله أبي العباس ويتوسط صحن المسجد شخشيخة مثمنة الأضلاع ترتفع عن مستوى أرض المسجد بمقدار ٢٤م ويحيط بها أربع قباب بالأركان الاربعة للمسجد وحوائط المسجد من الخارج كسيت بالأحجار الصناعية وسلالم المدخل من الجرانيت المصرى ، أما أرضيات المسجد فمن الرخام الأبيض والجزء السفلى من الحوائط من الداخل مغطى بالموزايك الأبيض بارتفاع ٥,٦٠م وتظهر فيها الزخارف والنقوش الأسلامية.
أما الجزء العلوى مكسي بالحجر الصناعي ، وقد أستمد المسجد عناصره الزخرفيه من العصرين الأيوبي والمملوكي ، ويعتبر من أوسع وأكبر مساجد الإسكندرية العامرة حيث يتسع لثلاثة الأف ۳۰۰۰ مصلى ويفد عليه من أتباع الطريقة الشاذلية عدد لا يحصى ، وقد صنعت أبواب المسجد ومنبره ونوافذه من أخشاب التك والليمون و الجوز بطريقة التعشيق وحليات دقيقة الصنع.
ومن العناصر المعمارية التي ينفرد بها المسجد الأعمدة حيث يحتوى على ١٦ عامود من الجرانيت المستورد من محاجر بالينو بمدينة كارارا الإيطاليه. ويتكون كل عامود من قطعة واحدة وشكله بثمن بارتفاع ١,٦٠م وتحمل فوقها تاج من الخشب عليه زخارف نباتية أهمها ورقة الأكانتس بشكل محور وقاعدته كسيت بطبقة من النحاس الأصفر.
كما يحتوى المسجد على أربعة قباب وهي مزخرفة من الخارج بزخارف جصية من جامات هندسية بداخلها حشوات نباتية.
ومحراب المسجد مجوف يحفه عمودان على يمين ويسار من الموزيك و يعلوه عقد على هيئة حدوه فرس مزخرفة بزخارف نباتية و أشكال هنسية و كتابات عربية بالخط الكوفى المزهر(سوف نستعرض فى مقال اخر بالتفصيل الفرق بين انواع الخطوط وتطورها عبر العصور ان شاء الله)، ويتميز المسجد بمداخل شاهقه متأثرة بالعمارة المملوكية حيث يوجد تجويف على يمين ويسار الداخل وتظهر فيها المقرنصات باعلى السقف على هيئة خلايا النحل وكسيت واجهة المداخل بشبكة جصية ذات اشكال هندسية ، وسقف المسجد مغطى من الداخل بالخشب يسبقهم صفين من المقرنصات
الخشبية وزخارف برسومات هندسية من أطباق نجمية ورسومات نباتية غاية في الابداع والروعة وبالوان مختلفة ، فجميع عقود المسجد من الداخل كسيت بزخارف هندسية ونباتية من الجص.
كما يحتوى المسجد على نجفة وزنها ۲ طن وبها ۵۰۰ مصباح وطولها 7 أمتار وقطرها ٤ أمتار وتعتبر أكبر نجفة بمساجد الإسكندرية.
*المكتبة
في ۱۹۰۳ م / ۱۳۲۱هـ أوقف الحاج على شتا أحد أعيان مدينة الإسكندرية بها عدداً كبيراً من الكتب القيمة بمكتبة المسجد فكانت نواة المكتبة العباسية التي نسبت إلى إبى العباس ضمت الكتب كلها إلى مكتبة مشيخة العلماء بسرای حافظ باشا قطان بها أن ذاك ٦٥٥٠ مجلد.
لكن هنا التراث الضخم قد تبدد مع الزمن وامتدت إليه الأيدى بالعبث و المكتبة الحديثة كان يشغلها قديماً سقفية النساء و هي تعلو الميضأة وهي مستطيلة الشكل
ومئذنة المسجد القديمة قد تعرضت للهدم ۱۹۲۸م وذلك أثر الصواعق و الزلازل التي لا يزال أهل الإسكندرية يزكرونها إلى الأن وعند اعادة تشييد المسجد أعيد
بناء المندنة الحالية و التي يبلغ ارتفاعها ۲۷م وتتكون من اربع جوانب مغطاة بالأنوار لتكسى المسجد وما حوله روعه واجلال.
كما أنشئت حول المسجد ساحة للصلاة تسع لأكثر من ١٥ ألف مصلى كما تحولت الساحة منشأت سياحية تضم أكبر مجمع من الطراز العربي الإسلامي لخدمة السياحة الدينية. وهكذا دائما امواج المعرفة والحضارة والاثار تاتى بامواجها لتضيف لنا من عبق التاريخ ما يمتعنا عن مدينتى الحبيبة الاسكندرية