
نوستالجيا الطفولة وترسيخ القيم في مجموعة "حواديت يا ولاد" للكاتبة نهي عاصم
بقلم الكاتبة والناقدة/ أمينة الزغبي

يعتبر أدب الأطفال وسيًطا تربويًا مهمًا؛ إذ يمكن من خلاله أن تقدم للطفل مختارات متنوعة التعبير، يتعلم منها جمال السرد، وترابط الفكر، وحسن استعمال اللغة، وهو بذلك يؤلف دعامة أساسية في تكوين وتشكيل شخصية الطفل، وإعداده
لمواجهة تحديات العصر بمتغيراته وتطوراته المتسارعة.
والكاتبة نهي عاصم من الكاتبات اللاتي اهتممن بهذا النوع من الأدب، حيث صدر لها مجموعة قصصية للأطفال بعنوان “حواديت يا ولاد” وهي مجموعة من القصص المتنوعة، والتي لم تُحدد الكاتبة علي غلافها عمر معين للأطفال، بل إنها جلست لتبدع لهم مجموعة من القصص، أطلقت فيها العنان لمخيلتها السردية، والتي أخذت المتلقي فيها إلي عالم نوستالجيا مرحلة من أجمل مراحل العمر، ألا وهي “مرحلة الطفولة المبكرة والمتأخرة” معًا، وكأنها رسالة تبعث بها إلي الكبار قبل الصغار، كي يستمتعون مع صغارهم، وهم يقرأون لهم هذه القصص الجميلة.
حينما ندلف إلى المجموعة نلاحظ أن:
“حواديت يا ولاد” هي مجموعة من القصص القصيرة تصلح للأطفال من عمر سبع إلى عشر سنوات، هذا إذا حاول الطفل القراءة بنفسه، لكنها تصلح أيضًا لمن هم أقل من ذلك إذا ما قام أحد الكبار بحكيها لهم، تحتوي المجموعة على عناصر جذب قوية للطفل منذ عتبتها الأولى ألا وهي العنوان (حواديت يا ولاد) وهو عنوان جاذب ولافت لهذا العمر الذي يستهويه هذا اللفظ (حواديت) حيث يسبح معه في عالم الخيال، بما يطالعه به السارد.. ثم يأتي الغلاف، وهو من العتبات المهمة والمؤثرة في عالم الكتابة للطفل، حيث يحتوي على صور ثلاث أطفال في أوضاع مختلفة، توحي بالحركة، والشقاوة المحببة، وتتميز بالألوان الجاذبة للطفل، والتي تقوم بعامل التشويق له، كي يدلف إلى عالم المتن القصصي بشغف لمعرفة ما وراء هذا العنوان.
لم تقتصر عناية الكاتبة باختيارها لعنوان مشوق للمجموعة فقط، لكنها امتدت إلى العناوين الداخلية للقصص أيضًا، بدأت من المقدمة التي جاءت تحت عنوان (الحواديت يا ولاد) حيث تسرد فيها الكاتبة سبب شغفها بحب الكتابة للأطفال، والذي جاء من حبها لقراءة قصص الراحلة (سلوى حجازي) مما يدفعها بعد ذلك بأن تحاكي ما يماثلها من قصص لأولادها الصغار، يطالعنا بعد ذلك العنوان التالي: (حدوتة العصفورة والنخلة الطيبة) تحكيها الساردة لجود ابنة أختها ذات الأربع سنوات، ثم (قصة أحمد والدراجة) والتي يدرك القارئ أن الساردة هنا تحكيها لأحد أبنائها وهو “أحمد”؛ فالقارئ سوف يطالعه “الإهداء” في صدر المجموعة، وهو من العتبات الكاشفة عن شخصية المؤلف في الكتابات الإبداعية، والذي سوف يكشف له عن هذا المعني حيث تقول الكاتبة “نهي عاصم “فيه:
(إلى أولادي: أحمد، وإبراهيم، ويحيى، ويوسف..وذكريات الحواديت التي قمُت بابتكارها لكم كّل ليلة. إلى أولاد إخوتي، وأخواتي بتول، أدهم، جود، نوراي، عمر، عاصم
إليكم جميعًا.. ّ رغم أنّكم تعدّيتم سّن الطفولة، ولكْن تبقى الذكريات).
إذا.. الإهداء في هذه المجموعة له دور إرشادي للقارئ، بل وتفاعلي أيضًا؛ فحينما يطالعه اسم من الأسماء، يذهب على الفور إلى الإهداء؛ ليدرك مدي صلته العائلية بالكاتبة.
ثم تأتي القصة التالية، وهي بعنوان (إبراهيم والدراجة) و”إبراهيم” هو الابن الثاني للكاتبة وهكذا، يدرك القارئ أن كل عناوين قصص المجموعة ارتبطت بأسماء هؤلاء الأولاد، والبنات السابق ذكرهم، ولكن الجميل في هذه القصص هو أن الكاتبة ترسم من خلالها بعض السمات الشخصية لهؤلاء الأولاد، بل وتبث من خلال حكيها لهم ما تريد أن تزرعه فيهم من قيم ومبادئ أخلاقية سامية، وهذا هو الدور الحقيقي لكاتب الأطفال، إنه في الإساس صاحب رسالة، يحملها على عاتقه بأمانة، كي يشكل بها وجدان ابناء اليوم، وبناة المستقبل الذين لم تكتف الكتابة بترسيخ القيم الأخلاقية، والعلاقات الاجتماعية لهم فقط؛ لكنها تطرقت إلى تقوية قوميتهم العربية أيضًا، فنجد الحدوتة التي اختارت أن تحكيها لابنها “يحيي” جاءت تحت عنوان:
(يحيى وقضيةُ فلسطين حدوتة للكبار قبل الصغار) استطاعت الكاتبة في هذه القصة أن تضع بين يدي القارئ أرشيف من الصور التي تسجل تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام ٤٨ إلى الآن، مما يرفع من قيمة هذه المجموعة القصصية، ويجعل منها مرجع مبسط لكل طفل، أو يافع يريد أن يتعرف على تاريخ هذه القضية بشكل مُبسط.
اختارت الكاتبة نهي عاصم أن تعبر عن أفكارها بلغة سلسة، وبسيطة تتناسب مع قدرة الطفل علي الفهم، وتمسكت باستدعاء الذاكرة ببعض العبارات اللغوية الراسخة في الذهن للكبار مثل:
(توتة.. توتة.. حلوة ولا ملتوتة) وهي كلمات صاحبت الحواديت منذ الجدات والأجداد أيضًا.
كل الشكر للكاتبة ومزيد من الإبداع