
هم من يدفعون الثمن !!
بقلم الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تقف الطفلة الصغيرة حائرة بنظرات الألم والقلق والخوف .. وكلها تساؤل ماذا تفعل ؟
برادئها الممزق الثقيل كما لو كان حملا كبيرا يثقل كتفيها ، سارت الطفلة الصغيرة وحيدة هائمة علي وجهها وسط أجواء باردة غائمة ، وهي تبكي بحرقة ، حاملة دمية بأحدي يديها وحقيبة بلاستيكية هي كل ما تملك باليد الأخري .
استوقفني هذا المشهد وأنا اتابع تطورات المعارك والقنابل في غزة ، فهذه الصغيرة التي لا تتجاوز الخامسة من عمرها تدفع ثمن صراعات دولية يعجز عقلها عن استيعابها . فجأة وجدت نفسها ضمن أكثر من ٢٠٠ مليون طفل حول العالم دمرت الحروب عوالمهم الصغيرة ، ودفعت بهم إلي المجهول من سوريا واليمن الي أوكرانيا وسيراليون ومالي والعشرات من دول العالم ونحن نتابع شاشات التليفزيون يعترينا الألم ، ولكننا في الواقع لا نملك لهم شيئا . ونواسي أنفسنا بشعور أن هذه الصغيرة ربما تكون أفضل حظًا من طفل في قلب إفريقيا يعاني الجوع والفقر واضطر لحمل السلاح للمشاركة في صراعات لا يعلم عنها شيئا . ونحن نتابع الأحداث العالمية ، أو حتي في حياتنا اليومية ، نجد أن الأطفال هم دائما الضحية ، يدفعون الثمن لأي صراعات كبيرة كانت أو صغيرة ، فإن للحروب أشكال كثيرة . ففي الوقت الذي ننظر فيه بعجز ونتألم لضحايا الحروب الكبري ، لا نحرك ساكنا لإنقاذ ملايين الأطفال الذين يعانون في صمت في المجتمعات المستقرة . فهم ضحايا المشاكل الأسرية أو التنمر أو الاستغلال بكل أنواعه وسوء المعاملة والانتهاكات ، ولكن أحدا لا يشعر بمعاناتهم حتي أنها أصبحت جزءا من واقعهم ، كما يصفها كاتبنا بهاء طاهر بقوله :
الشقاء ندبة في الروح ، إن بدأت في الطفولة تستمر العمر كله . ربما لا يستوعب عقل الطفل الصغير كل ما يحدث حوله ، ولكنه يسجل الكثير من المشاعر السلبية والألم والمعاناة التي يحملها معه للمستقبل ليخلق لنفسه فيما بعد آلية لحماية نفسه ، ربما تتولد لديه روح الانتقام وربما الضعف أو العنف والقسوة .
هذا الطفل ليس غريبا ، فهو أنا وأنت وكل من حولنا . نحمل في جعبتنا الكثير من ندوب الطفولة ونحن نسير نحو المستقبل ، ونتساءل بتعجب :
لماذا اليوم أسوأ من الأمس ؟ لماذا كانت الحياة أفضل ؟ ..
الواقع أننا اليوم ندفع ثمن أخطاء كثيرة ارتكبها من كانوا قبلنا ، بعضها عن جهل وبعضها كرد فعل للضغوط والمعاناة .
نحن اليوم بيدنا إنقاذ المستقبل ، فالأطفال هم الغد الذي ينتظره العالم ، ولكننا نعذب طفولتهم بلا رأفة ، متعللين بضغوط الحياة وصعوباتها . لا ندرك أنهم الأمل الباقي بعد ما دمرت الحروب ملايين الأمال ..
وقريبا ، ستنتهي الحرب ، ويتصافح القادة ” ويبقي أولئك الأطفال ” كما يقول محمود درويش .. حاملي ندبات الشقاء .. يعانون .