يا لهُ من تعب أن يُربّي المرءُ قلبهُ بالإشاحة!
بقلم الأستاذة/ ذكرى زيد – الأردن
يا لهُ من وجعٍ ينهش الروح، حين تُجبر نفسك على الابتعاد عن من كان وطنك. أن تُدرّب قلبك على النسيان، وهو لا يريد إلا أن يلتفت. أن تُشيح بوجهك عن ملامحٍ كنت تحفظها أكثر من اسمك، وتُقنع نفسك أن اللقاء انتهى، وأن الحنين خيانةٌ جديدة لا تليق بك.
يا له من تعبٍ، حين يصبح البعد فرضًا لا اختيارًا. تُطفئ هاتفك كي لا تضعف، تُسكت الأغاني لأنها تفضحك، وتغلق قلبك بإحكامٍ كي لا يتسلّل منه اسمه. تنام على جرحٍ لا يلتئم، وتستيقظ على صوته في الذاكرة كأنه لم يرحل.
أن تُربّي قلبك بالإشاحة… أن تحارب نفسك كلّ يوم. تُعاقبها لأنها تشتاق، وتُكذّبها حين تقول إنك بخير. تُخفي انكسارك خلف ابتسامةٍ باردة، وتُخفي الحنين في رسائل لم تُرسل.
يا له من تعبٍ أن تُقنع نفسك أن الفقد نجاة، وأن البقاء موتٌ بطيء. أن ترى من أحببت في عيون الآخرين، وتُشيح سريعًا لأنك لا تريد أن تُنهزم. أن تمشي في الشوارع التي جمعتكما، كغريبٍ يمشي على أطراف ذاكرته، يخاف أن يُخطئ الطريق إلى نسيانه.
الإشاحة ليست قوّة، بل جرحٌ يُربّى في الخفاء. هي موتٌ مؤجل، صمتٌ يصرخ في الداخل، وبكاءٌ بلا صوت. هي أن تُحبّ وتُنكر، أن تشتاق وتكابر، أن تقول “رحلتُ” وقلبك ما زال هناك.
يا لهُ من تعبٍ أن تُربّي قلبك بالإشاحة…
فالقلب لا يُربّى يا صديقي، القلب يُكسر.
