يوميات أثري على جزيرة نيلسون
بقلم الأستاذة/ يسرية الغندور- كبير باحثين بدرجة مدير عام بوزارة السياحة والآثار-مصر
كنت دائمًا أسمع عن هذه الجزيرة من أصدقائي خلال دراستي الجامعية، وعندما التحقت بالعمل في قطاع الآثار، قرأت عنها عندما درست التاريخ والأحداث التي اقترن اسمها بمعركة أبي قير البحرية والصدام بين الأسطولين الإنجليزي والفرنسي. حتى أن الجزيرة اكتسبت اسمها من الجنرال الإنجليزي قائد الأسطول الإنجليزي نيلسون. وقد تم العمل عليها بمشاركة إحدى البعثات الأجنبية التي قامت بأعمال حفائر على سطح الجزيرة.
سُميت جزيرة نلسون بأسماء عديدة منها: جزيرة غرو، وهو اسم أطلقه الصيادون في أبو قير وأهالي أبو قير الذين يعرفونها بغرو، وجزيرة دسوقي، وهو أحد الجنود الذين استشهدوا عليها في حرب 1956 خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر، وأخيرًا جزيرة نيلسون. تبعد الجزيرة عن الأرض بمقدار أربعة كيلومترات داخل بحر أبو قير، وهي جزيرة صغيرة الحجم تبلغ تقريبًا 350 متر طولًا و100 متر عرضًا. انفصلت عن مدينة كانوب بعد أحد الزلازل التي تعرضت لها المدينة.
في هذا اليوم، سقطت أمطار غزيرة على الجزيرة، وهو ما فسر لي سبب قيام الرومان قديمًا ببناء خزانات مياه لتجميع مياه الأمطار (صهاريج مياه) بأحجام كبيرة على أرضية الجزيرة. تحدثنا مع رئيس البعثة الإيطالية عن سبب انحدار المياه إلى هذه الحفرة الصغيرة، فقررنا القيام بأعمال حفائر حول هذه الفتحة الصغيرة، وبعد ساعة من الحفر، كانت المفاجأة أننا اكتشفنا مقبرة فرعونية تعود للأسرة السادسة والعشرين.
بدأ تجهيز عمل البعثة المكونة من أفراد مصريين وإيطاليين، وكان العمل في شهر نوفمبر (الخريف)، وهو توقيت معروف في مدينة الإسكندرية بأنه وقت النوات الشتوية شديدة الأمطار. أخذنا مركبًا من ميناء الصيادين أقلتنا إلى الجزيرة، وعبرت المركب مسافة أربعة كيلومترات بين الشاطئ والجزيرة في مدة نصف ساعة، مرت كأنها ساعات من التوتر والقلق مع ارتفاع الأمواج. ولسوء الحظ، جاء توقيت عمل البعثة مع بداية نوة تعرضت لها الإسكندرية، وهي نوة المكنسة، إحدى النوات شديدة الأمطار والمعروفة لأهل الإسكندرية.
خلال الإبحار، تعرض فريق العمل لظاهرة الودق، وهي ظاهرة تتسبب في سقوط كميات كبيرة من الأمطار بصورة مستمرة وبشكل عمودي، أي سقوط المطر دفعة واحدة. نتيجة سقوط الأمطار، لاحظنا أن منسوب مياه الأمطار يتجه نحو منحدر يؤدي إلى فتحة صغيرة قطرها عشرون سم تقريبًا. بعد البحث والدراسة، اكتشفنا أنها تحتوي على هياكل عظمية للجنود الإنجليز الذين قتلوا في معركة أبي قير البحرية بين الأسطولين الإنجليزي والفرنسي. كما عثرنا على مومياء متهالكة وعدد كبير من الأوشابتي( نوع من التماثيل الجنائزية) ، وقمنا بتصويرها ورسمها.
اتجهنا إلى الجانب الآخر من الجزيرة لاستكمال الجزء المخطط له في أعمال الحفائر، والذي كان مصنوعًا من السيراميك على شكل آدم بطول لا يتجاوز عشرة سم. وجود الأوشابتي داخل المقبرة طبيعي حيث كان في اعتقاد المصريين القدماء أن الأوشابتي يخدم المتوفي بعدد أيام السنة.
كانت المفاجأة الثانية أننا اكتشفنا هياكل عظمية على أعماق قريبة جدًا من سطح الأرض، حوالي 20 سم تقريبًا، في الجانب الشرقي من جزيرة نيلسون. استعنا بأحد المتخصصين في مجال الأنثروبولوجيا، وهو عالم إنجليزي بالمصادفة، ومؤسس جمعية نيلسون التي تجمع أي تراث عن شخصية نيلسون. عثرنا على جنرال إنجليزي داخل تابوت خشبي بكامل ملابسه، عرفنا اسمه من خلال الكود العسكري. تم الاتفاق مع الحكومة المصرية والسفارة الإنجليزية على دفن هذه الرفات داخل مقبرة الكومنولث بمنطقة الشاطبي، وتم الاحتفال وعمل مراسم عسكرية بحضور سفينة عسكرية بريطانية وجنود المارينز وحضور حفيد هذا الجنرال الذي كان عمره آنذاك 93 عامًا.
ولا تزال جزيرة نيلسون تفاجئنا باكتشافات جديدة، وسنتحدث عن بعضها في المستقبل إن شاء الله.