
يُعامِلُني كالأميرات
بقلم الأستاذة/ ذكرى زيد

لا يُناديني بصوتٍ مرتفع، ولا يُربك قلبي بضجيج حضوره، بل يأتي كما تأتي النسمة حين تختنق الغرفة، وكما يُضاءُ المكان بلا كهرباء… مجرّد حضوره يكفي لتستقيم الفوضى في صدري.
لا يُظهر قوّته على الأشياء التي تُرهقني، بل يُزيحها بهدوء، يسبقني إلى الأبواب الثقيلة، ويُبسط لي الطريق دون أن يتصدّر المشهد، كأنّما يقول لي دون حروف: “أنا هنا، لأخفّ عنكِ، لا لأُظهِر نفسي.”
يُعاملني كما تُعامَل الملوك في زمنٍ لا يعترف بالمُلك، وكما تُعامل الأماني التي طال انتظارها. يُنصت إليّ حين أتكلم، لا ليُجيب، بل ليحفظني عن ظهر قلب، ويهزّ رأسه في المواضع التي تحتاج قلبًا لا عقلًا.
لا يسألني إن كنتُ أحتاج شيئًا، لأنّه يعرف أن الاحتياج لا يُقال دومًا، فيقرأ تعبي من نظرة، ويستشعر وجعي من سكوت، ويعرف أن ابتسامتي أحيانًا تكون استراحة وليست راحة.
وفي مرّة، حين ضجّت قدمي بالألم ولم أقدر على الانحناء، وجدتُه يربط لي الحذاء بصمت. لا كأنه يصنع معروفًا، بل كأنّه يُرتّب هيبة الطريق لأقدامٍ يراها أسمى من أن تنحني.
لم أنظر إليه كثيرًا حينها، ولكن قلبي… قلبـي وقف. لأنّ الموقف لم يكن في الحذاء، بل في اللُطف الذي نزل على شكل فعل عابر لا يُنسى.
هو لا يُظهر الامتنان لوجودي بالكلمات، بل يُترجم الامتنان بالأفعال الصغيرة؛ في كوب الماء الذي يُحضّره قبل أن أطلب، في السؤال غير المُتطفّل حين أتغيّر، وفي المساحة التي يمنحني إيّاها دون أن أشعر بالخذلان.
لم يُعاملني يومًا كأنثى فقط، بل كحكاية خُلِقت لتُروى بهدوء، لا لتُستهلك في العجلة.
كأنّني أمنيةٌ خاف أن تضيع من بين يديه، فحملها كما تُحمل الزجاجات القديمة في المتاحف، لا خوفًا عليها من الكسر، بل لأنّ الزمن لن يُعيدها إن انكسرت.
يُعاملني كالأميرات… لا لأنّي متوجة، بل لأنّ قلبه امتلأ بما يكفي من الفهم والنُبل ليجعلني كذلك.
وكلما سألوني: ما الذي يجعلكِ مطمئنّة؟
أُجيب: “لأنّ في عالمي من لا يسمح لقلبي أن يُعامَل بأقلّ مما يستحق.