
رواية أرض زيكولا
بقلم دكتورة/ صفا أحمد شريف- لبنان

تنتمي هذه الرواية ” أرض زيكولا” للكاتب عمرو عبد الحميد، للأدب العجائبي الغرائبي، لأنها تتحدث عن عالم خيالي، عالم موجود في خيال الكاتب الخصب، إذ لم يسبق لأحد أن تحدث عن هذا العالم الوهمي المقسم إلى عدة مناطق شرقية وجنوبية وشمالية . وبينهما سرداب فوريك.
نبدأ من العنوان الذي هو عتبة النص، ونسأل أنفسنا، ماهي زيكولا؟ لأن دلالة الأرض واضحة، لكن الإبهام في مصطلح زيكولا، توحي وكأنها اسم وحش، لكن من خلال القراءة يتضح إلينا أنها أرض خيالية، يعيش أهلها كما نعيش يتزاوجون ويتكاثرون، ولديهم ملك يحكمهم وطبيب يعالجهم إلا أن العملة التي يتداولون بها هي ” الذكاء” اللباس والطعام والشراب وحتى التفكير يأخذ من ذكائهم، لذلك لا يفكرون كثيرا، يطبقون ما يطلب منهم ، وهم أيضا يعملون ويأخذون أجرهم بوحدات الذكاء، ويبتاعون ويدفعون بوحدات الذكاءأيضا.
شخصيات الرواية ليست كثيرة: الشخصيات الرئيسة : خالد: يعد الشخصية الأساسية والمحورية في القصة، انتقلت بين عالمين: عالم حقيقي كعالمنا، وعالم خيالي وهو ” أرض زيكولا”.
الشخصية الثانية الأساسية هي الطبيبة ” أسيل” وهي موجودة في أرض زيكولا، الطبيبة الأولى للحاكم وزوجته، وهي مشهورة جدا تساعد الجميع لقاء وحدات الذكاء.
الشخصية الثالثة: ” يامن” الصديق الأول في زيكولا، شاب خلوق ومهذب، ساعده كثيرا منذ دخوله زيكولا وساعده على مغادرتها.
الشخصية الثالثة: إياد، كان صديق يامن فأصبح صديق خالد كذلك، ومد له يد العون وساعده.
أما الشخصيات الثانوية فهي كثيرة: الجد والعم ومنى في العالم الحقيقي، والفتاة التي قابلها يوم دخوله زيكولا وساعدته ليجد الكتاب، وهلال أخوه الوهمي الذي قتل والده، وغيرها من الشخصيات التي أثرت في الحدث.
الشخصيات الأساسية هم من قاموا بتحريك الأحداث بصورة مباشرة، ويُعتبَرون من الشخصيات الإيجابية السهلة والمتناسبة والمتفاعلة مع الحدث، فها هي أسيل الطبيبة المشهورة تغرق في حبه منذ أن شاهدته وهو ينقذ الطفل وهو لا يعرفه، ولم يطلب أجرا على ذلك، فكبر في عينها، وتتالت الأحداث المشرفة التي تزيد من تعلق أسيل به.
أما زمن الرواية فهو يسير فيها منسابا، لا عودة فيه للماضي إلا قليلا لتذكر أشياء بسيطة، فعندما كان خالد في أرض زيكولا عاد في الذاكرة ليتذكر جده ويتذكر بلده ومنطقته في لحظات اليأس.
أما المكان فهو ينقسم إلى عالمين: حقيقي وخيالي وبينهما سرداب فوريك، وأكثر الأحداث كانت في العالم الخيالي المليء بالأحداث والمفاجآت، وفيه عدة أمكنة مفتوحة: أراضي زيكولا، البحيرة الشاهد الوحيد على آلام وأفكار خالد.
في نظرة إلى الخلفية المجتمعية للعالمين، فهي مختلفة تماما، وأهداف خالد الشخصية المحورية فيها مختلفة أيضا: خالد يسكن في “البهو فريك” التابع لمحافظة الدقلهية داخل مصر(هو رجل فقير ، يعمل حمالا في معمل أدوية رغم أنه خريج كلية التجارة ، يحب فتاة ويريد الزواج منها، ويشعر باليأس لأنه لم يستطع الزواج ممن يحب)
خالد يعيش في مجتمع مسلم محافظ، يؤمن بالقيم والاحترام، وهذا ظهر من خلال كلامه دوما” فهو لا يذبح الفقير لكن يساعده في عيشته” يغيث الملهوف بكل ما أوتي من قوة، لا يطلب شيئا مقابل أي عمل تطوعي فيه مساعدة للآخر: من إنقاذ وتمريض، ..” يعيش في عالم متطور : كاميرا، هاتف، انترنت، تلفزيون وغيرها من مظاهر التطور التي ذكرها الكاتب..
أما المجتمع الثاني : أرض زيكولا فهو مجتمع يعدُّ الأقوى بين البلدان القريبة منه وهذا ما قاله الكاتب على لسان الشخصيات: أسيل : “حبي لقوة زيكولا ” ، لديه جيش يخرج من السنة للسنة لتأمين المصالح.
الحياة فيها ابتدائية، يعملون بأيديهم، ويأكلون ما يزرعون، هناك عربات وأحصنة، “الأقلام فكانت اسطوانات خشبية رفيعة ذات سن مدبب، وبداخلها خزان صغير للحبر” والناس كلها تعمل رجالا ونساء، ” ما إن يتجاوز الشاب أو الفتاة السابعة عشر حتى يصبحوا خاضعين لقانون زيكولا” ، في هذا البلد لا يقدم أي شيء مجاني أبدا، حتى الزوجة ” فلن يعطيها زوجها ما يُنجيها..إما أن تعمل وإما أن تموت.. أو تجد حلا آخر..هو أن ترث” .
العالم كله يتعامل بالذكاء، والثروة ليست مالا بل هي ذكاء، والميراث يقسم بالتساوي على الأولاد، لكن أخلاقهم ليست عالية كما وصفها خالد: ” إنهم قوم بلا قلب” ، عندما ذبحوا الفقير ، فالفقير في بلد خالد الحقيقي يتم مساعدته، لا ذبحه. لا مكان للضعيف في زيكولا، الولد يقتل والده ” لا رحمة في زيكولا” ، طباعهم همها الثروة.
هناك بلطجية في أرض زيكولا : أناس تعيش على سلب الذكاء من الناس التي تعمل، وهنا نشير إلى تأثير البيئة التي يعيش فيها خالد، وكيف أن البلطجية مصطلح دارج في الحياة المصرية وبقية الدول إلا أنه في مصر أكثر، ناس تحاول سلب الناس الأغنى منها المال لتعيش، تعيش عالة على المجتمع وعلى غيرهم من الناس، حمل خالد هذا المصطلح من أرضه ووضعه أيضا في أرض زيكولا الخيالية، ربما لكرهه الشديد له وليخبرنا كيف استطاع الانتصار عليهم بمؤازرة الجميع.
وفي النهاية نود التحدث عن أهداف الرواية انطلاقا من بنيتها: بنيتها سردية قائمة على الحوار الداخلي والخارجي، كثيرا ماعاد خالد إلى الحوار الداخلي ليحاسب نفسه عما فعل، وليخطط ويضع الخطط لحياته، ويدرك النعم التي يعيش فيها واستخدم الحوار ليمرر أفكاره ، والقيم التي يريدها في مجتمعه، مستخدما أسلوب السخرية لانتقاد أخلاق بعض الشخصيات، مشيرا إلى أهمية الأصدقاء ” يامن وإياد”، وإلى أهمية الأخلاق في المجتمع، والاعتماد على النفس وعدم الاستسلام ، والتفكير الإيجابي واتخاذ القرارات الحكيمة، فخالد كان يظن نفسه فقيرا عندما دخل أرض زيكولا، فوجد نفسه غنيا وبطلا وعاملا نشيطا، وأن المال وحده لا يمكن أن يجعل الإنسان غنيا، فالحب يصنع المستحيل، والعمل يحمي من الفقر والكسل. والظلم مرفوض في كل المجتمعات. وذلك كله بلغة سهلة وواضحة، مستخدما العامية في الحوار ليكون أقرب إلى القلب في التعبير، وأكثر صدقا.
نختم بقول : من يزرع يحصد” زرع خالد في أرض زيكولا الصدق، وكان عطاؤه غير مشروط فحصد الخير والمحبة وثقة الناس. وربما حاول النظر والتفكر فيما يملك فقويت شخصيته، وبفضل تعاون أصدقائه وحب أسيل وفداءها له أستطاع العودة من جديد.