
الأدوات الطبية المصورة في معبد كوم أمبو : تحفة مزدوجة ونقطة مضيئة في تاريخ الطب القديم
دكتور/ حسين عبد البصير – مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية

يُعد معبد كوم أمبو واحدًا من أكثر المعابد المصرية القديمة تفرّدًا، وقد تم بناؤه خلال العصر البطلمي بين عامي 108 و47 قبل الميلاد. يتميز هذا المعبد بتصميمه المزدوج الفريد، إذ كُرّس لعبادتين منفصلتين، مما جعله ينقسم تناظرِيًّا إلى قسمين متماثلين تمامًا، ولكل قسم مدخل مستقل وقاعات وقدس أقداس ومقصورات مخصصة للإله الذي يُعبد فيه.
النقش الطبي: شاهد على ريادة المصريين في الطب
من أبرز ما يلفت النظر في هذا المعبد هو النقش الطبي الشهير، والذي يُعتقد بأنه أحد أول التمثيلات المعروفة للأدوات الطبية والجراحية في التاريخ. يمكن رؤية هذا النقش في الجدار الخلفي للمعبد، وتحديدًا في الممر الذي يحيط بالجزء الداخلي منه.
يُظهر النقش مجموعة مذهلة من الأدوات تشمل:
• المشارط (scalpels)
• الملاعق الطبية والكُحتات (curettes)
• الملاقط (forceps)
• المناظير النسائية (specula)
• المقصات (scissors)
• زجاجات الأدوية والوصفات الطبية
كما يتضمّن المشهد أيضًا تصويرًا لإلهتين تجلسان على كراسي الولادة، ما يشير إلى المعرفة المتقدمة لدى المصريين في مجال الطب النسائي والولادة. في الوقت الذي نُقش فيه هذا المشهد، كانت العلوم الطبية المصرية تُعتبر الأكثر تقدمًا في العالم.
معبد مزدوج وتعدد المعبودات
يُجسد هذا المعبد تعدد الآلهة والتقاليد المصرية في توحيد المتضادات، حيث تم تخصيص القسم الشرقي منه لعبادة:
• الإله سوبك (إله النيل والخَلْق)
• زوجته حتحور
• ابنهما خونسو
أما القسم الغربي، فقد كُرس لعبادة:
• الإله حورس (إله السماء وحامي الملك)
• زوجته تا سنُت نفرت
• ابنهما با نب تاوي
ويُعتقد أن كهنةً منفصلين كانوا يتولون خدمة كل جانب من جوانب المعبد وفقًا للعقيدة الخاصة به.
آثار الزمان… ومجدٌ لا يزول
رغم أن أجزاءً كبيرة من المعبد تهدّمت بفعل الزمن والعوامل الطبيعية، واستُخدم جزء من أحجاره في مشروعات أخرى، إلا أن ما تبقّى منه لا يزال يُظهر روعة النقوش ودقة الفن المعماري المصري القديم. بعض النقوش لا تزال تحتفظ بألوانها الأصلية، ما يُعطي لمحة حيّة عن عظمة هذا المعبد.