الثالوث الأوزيري: رمز الخلود في الديانة المصرية القديمة

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 02 في 12.52.21 6c0db607

الثالوث الأوزيري: رمز الخلود في الديانة المصرية القديمة

دكتور/ حسين عبد البصير – مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 

 
صورة واتساب بتاريخ 1446 10 19 في 17.46.58 0631ebdc


في قلب حضارة مصر القديمة، يبرز الثالوث الأوزيري بوصفه أحد أعمدة الفكر الديني والروحي. يتألف هذا الثالوث من أوزير (أوزيريس)، وإيزيس، وحورس، ويجسد قصة درامية ملحمية تتناول قضايا الحياة، الموت، والبعث، التي كانت تشغل المصريين القدماء وتشكل جوهر معتقداتهم.

أوزير: إله الخلود والبعث

أوزير، المعروف أيضًا باسم أوزيريس، هو الإله الذي يمثل فكرة الخلود والبعث بعد الموت. كان يُعتقد أنه أول ملك على الأرض، قُتل غدرًا على يد أخيه ست الذي قطّع جسده إلى أشلاء. لكن وفاء زوجته إيزيس وعزمها أعادا الحياة إليه، حيث جمعته وأعادته بقواها السحرية ليصبح إلهًا يحكم عالم الموتى. يمثل أوزير الأمل في البعث والخلود، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن أرواحهم تسير في طريق مشابه لطريقه.

إيزيس: نموذج الوفاء والقوة

إيزيس ليست مجرد زوجة أوزير بل تمثل قوة المرأة، الأم الحامية، والساحرة القادرة على إعادة الحياة. وفقًا للأسطورة، بحثت إيزيس عن أشلاء زوجها في أنحاء مصر حتى جمعتها، واستخدمت تعاويذها لتعيد له الحياة. كما أنها أنجبت حورس وربته ليصبح الملك المنتصر الذي يستعيد حق أبيه. كانت إيزيس معبودة في أنحاء مصر القديمة وحتى خارجها، رمزًا للأمومة والخصوبة، وغالبًا ما صُوّرت وهي ترضع طفلها حورس، رمزًا للحماية والرعاية.

حورس: إله الملكية والنصر

يمثل حورس ابن أوزير وإيزيس فكرة النصر والعدالة. نشأ سرًا خوفًا من ست، لكن عندما بلغ سن الرجولة، تحدّى عمه في سلسلة من المعارك لاستعادة عرش والده. بعد انتصاره، أصبح حورس رمز الملكية الشرعية في مصر، واعتبر كل فرعون هو تجسيد حي له. كان يُصور برأس صقر، مع التاج المزدوج الذي يرمز إلى وحدة مصر العليا والسفلى. كان حورس رمز الحماية والقوة، وكان اسمه يُذكر في طقوس التتويج الملكي.

أسطورة الخلود

يحكي الثالوث الأوزيري قصة كاملة عن دورة الحياة: من الميلاد، إلى الموت، ثم البعث والانتصار. جسّد أوزير فكرة الحياة بعد الموت، وإيزيس تجسيد الحب والإخلاص، وحورس رمز القوة والنصر. هذه القصة لم تكن مجرد حكاية أسطورية بل كانت أساسًا لمعتقدات المصريين القدماء، الذين رأوا في حياة آلهتهم انعكاسًا لحياتهم اليومية وآمالهم في الخلود بعد الموت.

أهمية الثالوث الأوزيري

يبرز هذا الثالوث في العديد من المعابد والنقوش، خصوصًا في أبيدوس، التي كانت مركز عبادة أوزير، حيث اعتقد المصريون أن رأسه دُفن هناك. كما لعبت هذه الأسطورة دورًا في الطقوس الجنائزية، حيث اعتُقد أن الميت يسير في طريق أوزير ليُبعث في العالم الآخر. عبّر المصريون القدماء عن هذه الفكرة في نصوص الأهرام والتابوت، لتصبح قصة الخلود جزءًا من تقاليدهم.

الثالوث الأوزيري أكثر من مجرد أسطورة، إنه انعكاس لفلسفة المصريين القدماء حول دورة الحياة، وقيمة الوفاء، وأهمية العدالة. من خلال أوزير، إيزيس، وحورس، صاغ المصريون نموذجًا خالدًا للتغلب على الموت، وللأمل في حياة أخرى، وهي مفاهيم لا تزال تحظى بالإعجاب حتى يومنا هذا. زيارة معابد أبيدوس وقراءة النقوش القديمة تجعلنا ندرك عمق هذه الرؤية الفلسفية التي شكلت حضارة مصر القديمة العظيمة.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *