
حينما يفقد الأدب رونقه
بقلم الدكتورة/ هيفاء إبراهيم فقيه

لكل شيء في الحياة بريقه وجماله فالذهب له من الرونق والتميز ما ليس لمثله من المجوهرات وإن كان لحجر الألماس صلابته وجماله وتميزه، خاصة عند النساء، حسب نوعه ومنشأه إلا أن الذهب يمتلك قيمة تاريخية وثقافية كبيرة لدى معظم الشعوب، ويعتبر رمزًا للثروة والقوة والجمال. وقد ينقص أو ينطفئ هذا الألق والبريق لأسباب لا تخفى على القارئ مثل الحالة الاقتصادية أو سوء الاستعمال أو ذهب مغشوش… الخ، وما أروم اليه هو وضع الأدب في كفة ميزان الذهب حيث له قيمته ورونقه وألقه وأهله وقد ينطفئ بريقه ويفقد زهوته.
فالأدب ليس مجرد كلمات تُنسج لتُملأ بها الصفحات، بل هو روحُ الأمة ولسانُ حالها، هو المرآة التي تعكس قيم المجتمع، وأفكاره، وأحلامه، وحتى آلامه. وحين يُكتب الأدب بصدقٍ وإبداع، فإنه يلامس القلوب ويوقظ العقول، لكن ماذا يحدث حين يفقد الأدب رونقه؟ حين تُنتزع منه روحه، وتُستبدل بالأصالة السطحية، والرسالة بالضجيج؟
ومن المحزن المبكي أن في زمنٍ تغلب عليه السرعة، وتتصدّر فيه “الترندات”، بات كثير من الأعمال الأدبية من شعر أو نثر أو قصة لا تُكتب لتُخلّد، بل لتُستهلك. يغيب العمق، وتحل مكانه العبارات الرنانة الخاوية من المعنى. فقد يُكتب الكثير لكن يُقرأ القليل، ويُقرأ الكثير لكن يُفهم منه أقل. وحين يُصبح الأدب مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة أو كسب المتابعين، فإنه يفقد جوهره، ويبهت بريقه.
فالرونق الأدبي لا يكمن في فخامة الكلمات أو غرابة الأسلوب، بل في الصدق، والابتكار، والقدرة على التعبير عن الإنسان وواقعه بأبهى صور البيان. ويفقد الأدب رونقه حين ينفصل عن مشاعر ووجدان بني الإنسان، حين لا يعكس قضاياهم ولا يلامس وجدانهم. كما يفقد بريقه حين يُكتب بنية التجميل الزائف، لا بنية التغيير الحقيقي أو التأمل الصادق.
ولنعيد للأدب رونقه لابد من إعادة الاعتبار لقيمته، ومنح المساحة للأقلام التي تكتب من أجل الفكر لا من أجل التصفيق. لابد من تعليم الأجيال ضرورة الأدب وانه أسلوب حياة وليس ترفاً، وأن الجمال لا يكون في الظاهر وحده، بل في المعنى الذي يسكن بين السطور، ونسج الحروف وقوة الكلام ونظم البيان ليصل للقلوب. وهنا نعزز دور القارئ والناقد والمثقف ونغرس في الأجيال حب الأدب البراق بمعناه ورسالته وليس بهيئته.
وختام القول انه حينما يفقد الأدب رونقه، لا يخفت جمال اللغة فحسب، بل تخسر الإنسانية أحد أقوى أدواتها للتعبير والتغيير. فلنحافظ على الأدب حيًا، نقيًا، جميلا، لأنه صوتنا الذي لا يشيخ.