أربعة أطفال

صورة واتساب بتاريخ 1446 12 16 في 12.59.33 57f19dc5

أربعة أطفال

بقلم الدكتورة/ بلسم أحمد القارح  

صورة واتساب بتاريخ 1446 11 03 في 19.22.57 4010973f

 

 

في أحد أزقة القاهرة وبين البيوت التي تشهد كل يوم على نبض الحياة التقيت أربعة أطفال يلعبون في الشارع ويمرحون ببراءة والفرحة تلمع في أعينهم متراقصة كأضواء عيد جذبتني ضحكاتهم الصافية تسبق خطواتهم و تزلزل القلب بحنين لا يُعرف مصدره. 

وقفت أتابعهم بصمت، وقد انقسموا إلى فريقين يتشاكسان بمرح، يجلجلون بالضحك، وكأن العالم لا يعرف الحرب ولا الفقد ولا الغربة.ملامحهم أوحت لي أن فريقًا مصريًا ينافس فريقًا سودانيًا لكن الروح واحدة والحب واحد فابتسمت لهذه العفوية التي صنعتها طفولتهم لكن المفاجأة أن الحقيقة كانت عكس ما ظننت: أحد الطفلين ذوي الملامح السودانية كان مصريًا، والآخر ذو الملامح المصرية كان سودانيًا!

ضحكت في سري وكلي عجب كم تبدو الأمور أوضح في عيون الكبار لكنها أكثر صدقًا في عيون الأطفال وقفت أراقبهم أتأمل ذلك المشهد النقي ناديتهم فجاءوا إليّ دفعة واحدة بلا حذر ولا تحفظ بلا تردد بلا تفرقة وفي لحظة واحدة اختفى الانقسام وتلاشى التحزب ووقفوا أمامي صفًا واحدًا، كأنهم قوى جبارة  يواجهون المجهول معًا بقلب واحد. سألتهم عن أسمائهم فقالوا:

“أنا محمد.”

“وأنا محمد برضو!”

“وأنا عبد الله.”

“وأنا أحمد.”

أربعة أسماء، أربعة وجوه، تنتمي إلى ضفتين لكن قلبهم واحد. لم تكن أسماؤهم مجرد تعريف، بل كانت جسورًا تمتد بين نهرين، بين ضفتين عاشتا معًا رغم كل شيء.

جلست معهم على حافة الرصيف، وسألتهم: “بتحبوا تلعبوا مع بعض؟”

ضحك محمد وقال وبلهجة مصرية محببة: “إحنا دايمًا فريق واحد، بس النهارده حبينا نغيّر.”

عبدالله أضاف بنفس اللهجة: “المهم نضحك، مش مين يكسب.”

وتحدث احمد بحكمة لم أتوقعها وبذات اللهجة: “إحنا إخوة، بس في اللعبة بنتخانق شوية.”

فقالت لي البراءة بصوتهم: لسنا اثنين من كل بلد، بل أربعة من عالم واحد.

عندها، أطلقت على الفريقين اللذين هما في الأصل فريق واحد اسمًا رمزيًا يليق بالعبث الجميل الذي رأيته:   فريق محمد المصري ومحمد السوداني.”

وضحكنا جميعًا، أنا وهم، وكأننا اتفقنا دون اتفاق أن الحدود لا معنى لها حين يكون القلب نقيًا، والنية سليمة، واللعب حرًا. ضحكت، وقد امتلأ قلبي بما يكفي من الأمل لعامٍ كامل قضيت معهم دقائق لا تُنسى، وودعتهم وهم يعودون للعب، لا فريقين… بل فريق واحد فقط بتفاصيل مختلفة فريقًا واحدًا، يشدو الأبيض رشيد الأزرق دمياط… والكل نيل ثم يركض نحو الشمس.

وبقيت أراقبهم وهم يركضون ويضحكون، وفكرت: ليت العالم كله يتعلم من هؤلاء الأربعة كيف نكون مختلفين دون أن ننقسم، وكيف نكون أبناء أوطان متعددة، دون أن ننسى أننا أولًا… بشر.

 

مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *