
ردًا على حلقة الدحيح " نهاية الفراعنة " : الحقيقة والتضليل في قراءة التاريخ المصري القديم: ملاحظات نقدية على محتوى حلقة مغلوطة
بقلم الدكتور/ حسين عبد البصير- عالم آثار مصرية و مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية

يؤسفني أن أكتب هذا المقال بعد مشاهدة حلقة تناولت التاريخ المصري القديم بطريقة تفتقر إلى الدقة والموضوعية العلمية، وتحمل في طياتها أخطاء جسيمة ومغالطات تاريخية لا يمكن تجاهلها. إن تاريخ مصر القديم ليس فقط ميراثًا وطنيًا بل هو ركيزة من ركائز الهوية الإنسانية والحضارية، ومن ثم فإن التعامل معه يجب أن يكون بمسؤولية علمية رفيعة لا تعرف التساهل.
أولًا: خلط زمني وتشويش مفاهيمي
• تم تقديم شخصية إبشا على أنه من الهكسوس، بينما هو في الواقع من عصر الدولة الوسطى، مما يعكس جهلًا بالتسلسل الزمني ويضلل المتلقي.
• دمج عصور متباعدة دون تفريق واضح (مثل الخلط بين الدولة الوسطى، والهكسوس، والكوشيين) ساهم في تشويش المشاهد وتقديم سردية مبنية على التعميم لا على تحليل تاريخي دقيق.
• استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” في سياق التاريخ المصري القديم أمر مرفوض علميًا، حيث لا وجود لهذا المصطلح في الأدبيات الأكاديمية الخاصة بالتاريخ القديم، والمصطلح الأدق هو “الشرق الأدنى القديم”.
ثانيًا: مغالطات في عرض الحقائق
• تم الادعاء بأن السودان يمتلك 220 هرمًا متفوقًا على مصر والمكسيك، وهي معلومة مغلوطة. فمصر بها 138 هرمًا موثقًا، بينها أكبر وأعقد الأهرامات في العالم من حيث التخطيط المعماري والهندسي. أما الأهرامات السودانية، فهي صغيرة الحجم نسبيًا، ولا تقارن بما أنتجته الحضارة المصرية.
• الحلقة أغفلت تمامًا السياق الحضاري والسياسي الحقيقي لدخول الأسرة الكوشية إلى مصر، والتي جاءت في زمن ضعف وانقسام داخلي، لا كمحتلة، بل كقوة متمصّرة دينيًا وثقافيًا، سعت لتوحيد البلاد تحت راية الإله آمون.
ثالثًا: أخطاء لغوية وأثرية
• احتوت الحلقة على أخطاء فادحة في قراءة وكتابة الأسماء الهيروغليفية، وتم استخدام صور لا تتطابق مع الأسماء المذكورة.
• عرض بردية سرقة المقابر جاء مشوَّهًا وخاليًا من السياق الحقيقي للنص، ما يفقد المتلقي الثقة في المعلومة المقدَّمة.
• كما تم تشويه أسماء ملوك وشخصيات تاريخية مصرية في النطق والكتابة، وهو أمر لا يُغتفر في برنامج يفترض به أن يثقف العامة.
رابعًا: تبسيط مخل لأحداث كبرى
• وصف الآشوريين بأنهم “اغتصبوا مصر” يعكس تبسيطًا مخلاً للصراعات الجيوسياسية في ذلك العصر.
• تم تجاهل أن الأسرة 26، بقيادة بسماتيك الأول، جاءت بعد انسحاب الكوشيين، وأسست لحقبة استقرار وازدهار سياسي وثقافي.
• كما تم تشويه النهاية البطولية لحكم بسماتيك الثالث، الذي واجه الفرس ببسالة، وقتلوه بعد مقاومة مشهودة. لم يكن خائنًا، ولم يُسلّم الحكم، كما أُوحي للمشاهد.
• ولم يتخل المصريون تحت الحكم الفارسي عن لغتهم، بل استمروا في استخدام اللغة المصرية في الحياة اليومية والدينية.
ما شاهدناه ليس مجرد أخطاء عابرة، بل تشويه ممنهج لتاريخ أمة، يحمل في طياته مخاطر معرفية وتربوية جسيمة. إن استمرار تداول هذه الحلقة من دون مراجعة أو سحب، يُعد إساءة للهوية المصرية ولتراث الإنسانية جمعاء.
أدعو الجهة المنتجة إلى التحقيق الفوري في هذه الأخطاء، وسحب الحلقة من التداول، وإصدار تصحيح رسمي، والاستعانة بخبراء حقيقيين في علم المصريات والآثار لضمان الجودة العلمية والموضوعية.
هذا المقال ليس دفاعًا عن الماضي فحسب، بل دفاع عن الحقيقة في زمن أصبحت فيه الأكاذيب سهلة الانتشار.