
وفي قلبي ظلّان يمشيان معًا
بقلم الأستاذة/ ذكرى زيد

كنتُ دائمًا أؤمن أنَّ للحب وجهين: وجهًا يُشبه الهدوء الذي يسكن القلب حين يطمئن، ووجهًا آخر يُشبه الفوضى الجميلة التي تحدث حين يمر أحدهم في بالك دون استئذان.
في حياتي، هناك ظلّان لا يفترقان: ظلّ يُشبهني تمامًا، يُشبه روحي حين تتأمل الأشياء وتحبها بهدوء دون أن تنطق. ظلّ يمشي بخفّة، يزرع في الطريق نورًا لا يُرى، يُرافقني بصمته، ويمنحني دفئًا لا يُشبه دفء الآخرين.
أمّا الظل الآخر، فهو مختلف تمامًا؛ مختلف كأنَّه الوجه الآخر لقلبي. هو ذلك الشعور الذي لا يُشبه سواه، شعورٌ يأتيك حين يمر في قلبك شخصٌ لا يُشبه أحدًا. في حضوره شيءٌ غريب، يُشبه الغيم حين يملأ السماء بهدوء، لكنك تعلم في أعماقك أنّه يحمل مطرًا لا يُشبه سواه.
هو ظلٌّ يترك أثره فيك حتى حين يغيب، هو تلك النظرة العابرة التي تسرقك من نفسك، هو الصوت الذي لا تحتاج أن تسمعه كي تُدرك أنّه موجود فيك، هو الذي يُطمئنك دون أن يتكلّم، ويقلقك دون أن يفعل شيئًا.
كنتُ كلّما اجتمع ظلاي، شعرتُ أنَّ في حياتي فصلًا لا يُكتب، فصلًا يُعاش فقط بيني وبين قلبي وحده. حين نكون معًا، تذوب المسافات وتُغلق الأبواب دون أن يشعر أحد، كأنّنا وحدنا على هذه الأرض، نصنع لغتنا الخاصة، نشترك في الصمت ونُصغي إلى دقات قلوبنا التي لا يفهمها سوانا.
ذلك الظلّ الذي يُشبهني، كان دائمًا هناك، لا يغيب. يُرافقني في لحظات ضعفي، يقف إلى جانبي حين أهرب من كل شيء، لا يسأل ولا يلوم، فقط ينظر إليّ بعينٍ تعرفني جيدًا.
أمّا الظل الآخر، فهو عاصفٌ كالمطر، حنونٌ كالعتمة حين تتّسع لي وحدي. كان يخاف عليَّ بطريقته الخاصة، يظهر في اللحظة التي أكاد أضيع فيها، يمدّ لي حضوره دون أن يقترب، يجعلني أشعر أنّني محاطةٌ به في كل تفاصيل يومي؛ كأنّ الهواء الذي أتنفّسه يحمل اسمه، وكأنّ الوقت كله يمرّ من خلاله.
أنا بينهما أمشي بلطف، كأنني أمسك بيد الظل الأول وأسير خلف الظل الآخر، دون أن أختار بينهما؛ كأنني أعلم أن كليهما يسكنني، وأن الحب الحقيقي ليس أن تملك أحدهما، بل أن ترقص بينهما بطمأنينة، أن تظلّ قادرةً على أن تُحب نفسك مع ظلّك الأول، وقادرةً أن تحلم مع ظلّك الآخر دون خوف.
ما أجمل الحكايات التي لا تُقال! ما أجمل الحب حين يبقى سرًّا بين قلبين، أحدهما صامتٌ كالحكمة، والآخر صاخبٌ كالحلم. وأنا بينهما أعيش، وكأنني الحكاية كلّها.
أنا ذِكرى، تلك التي تحمل ظلّين في قلبها، تسير بهما في دروب لا يعرفها سواها، وتكتب عنهما بحبرٍ من ضوء، وتُحب بهدوء لا يُشبه إلّا نفسها.