
لماذا نتعلق بالماضي؟
بقلم / غادة جاد

“الذكريات ليست سوى طريق نسلكه حين نمل من الطرقات”.
لماذا نُضفي طابعًا رومانسيًا على الماضي ونصفه ب:
“الزمن الجميل”؟ ربما نعجز عن فهم أسباب تعلقنا به وبأماكنه وعلاقاته، حتى بعد مرور وقت طويل على ابتعادنا عن هذه الأماكن أو هؤلاء الأشخاص أو انتهاء هذه العلاقات. قد يستبد بنا الحنين إليها بين الحين والآخر، و قد لا نعلم لهذا سببًا، فربما ينبع التعلق بالماضي لأسباب عاطفية ونفسية وظرفية معقدة متداخلة يمر بها الإنسان في واقعه، ظنًا منه أن الأقدار لو تبدلت على نحو ما أراد، كان سيصبح أكثر سعادة وأمنًا، إذ يتميّز العقل البشري بقدرته على تضخيم الذكريات الإيجابية وتجميل الماضي وتخفيف وطأة السلبي منها، وهي ظاهرة تُعرف بـ”التصور الوردي للماضي”، ففي كثير من الأحيان، لا نفتقد المكان أوالشخص بحد ذاته، بل المشاعر التي ارتبطت به كالأمان والحب والفرح، ليصبح الماضي رمزًا لفترة شعرت خلالها بأنك محبوب ومتألق وسعيد وآمن.
قد يخيفنا المستقبل، لاسيما إذا شعرنا بأن ما عشناه سابقًا قد لا يتكرر، فضلًا عن أننا كنا أقل خبرة و أكثر سذاجة، وكانت الحياة تبدو لنا وردية، فالجهل بالحقائق أحيانًا نعيم الإنسان ومعرفته بها عين الجحيم…
وقد تمنحنا الذكريات، حتى وإن لم تكن مثالية تمامًا، الإحساس بالأمان، هذا الإحساس بـ”معرفة النتيجة” يمنح بعض الشعور بالسيطرة، بعكس العلاقات الحالية التي تتطلب توقعات وجرأة في مواجهة المجهول. من هنا، قد نبدأ في إسقاط خيالاتنا على الماضي، الذي يصوره لنا العقل بأنه جميل مثالي.
كما أن ارتباطنا بالماضي غالبًا ما يشكل مرحلة فريدة في حياتنا ليصبح نسيانها وكأنه خسارة جزء من الذات. وفي كثير من الأحيان، نبدأ في مقارنة الواقع بالماضي، مما يعوق قدرتنا على التقدّم و يفقدنا التوازن.
هكذا يكون التعلّق بالماضي مجرد ملاذ للهروب من الواقع، لاسيما عندما تكون الحياة الحالية مليئة بالضغوط أو المخاوف أو الخواء النفسي، ليُصبح الماضي أكثر إشراقًا في الذاكرة، حتى وإن لم يكن كذلك فعليًا، والأشخاص السابقين يتحولون إلى رمز للراحة والأمان المؤقت.
و أظن أنه لكي نفهم طبيعة هذا الشعور، يمكن أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة الجوهرية، مثل: هل نتوق إلى الأشخاص أنفسهم و الأماكن نفسها، أم إلى المشاعر التي عشنها في وجودهم و ارتبطت بهم؟ هل نتغافل عن احتمال أن الحياة لم تكن لتصبح بتلك المثالية الجميلة المتخيلة في الأذهان لو أننا ظللنا في تلك الأماكن ومع هؤلاء الأشخاص؟
وفي سبيل التحرر من الماضي لابد من التسليم بأن ما مضى لن يعود خيره و شره، وأنه لابد من التفاؤل وخوض تجارب جديدة في الحياة بكل شجاعة وثقة، وكذلك ملء الحياة بلحظات تُبنى على الحاضر لا الذكريات، فضلًا عن فهم الجذور العاطفية التي تدفعنا إلى التعلّق بالماضي، فقد يكون ذلك إنعكاسًا لاحتياجات داخلية غير مُشبعة، وكلما زاد وعي الإنسان بذلك، زادت قدرته على التقدّم بثبات نحو مستقبل أرحب و أكثر أمانًا وسعادة.
تحليل رائع لحالة التعلق بالماضي ورؤية كل مافيه جميل، رغم التأكد من أن كل فترة زمنية لا تخلو من منغصات وأوجاع.