
لا تجعل من نفسك شهيدًا
بقلم الدكتورة/ رضوى إبراهيم

لسنا بحاجة إلى القول إننا جميعًا نقدم التضحيات والتنازلات في علاقاتنا وحياتنا الأسرية. ومعظم هذه التضحيات تكون ذات قيمة، ولكن، كمعظم الأشياء الأخرى بما فيها الأشياء الحسنة، فإن الإفراط فيها يحولها إلى عكس المقصود منها.
من الواضح أن مستويات تحمل الضغط والمسؤولية، وقلة النوم، والتضحية، والمعاناة، وكل شيء آخر، تختلف من شخص لآخر. وبمعنى آخر، فإن شيئًا سهلًا للغاية بالنسبة لك قد يكون صعبًا جدًا على شخصٍ آخر، والعكس صحيح. وعلى كل حال، إذا استطعنا أن نولي اهتمامًا، وأن نكون أمناء تجاه مشاعرنا، فإن كلًّا منا سيعرف متى يصل مستوى توتره إلى درجة عالية. وعندما يحدث ذلك، نشعر بإحباط شديد وغضب، ويكون اليأس أكثر ما يُحتمل في تلك اللحظة. فقد نشعر أن لنا بعض الحق، ونقنع أنفسنا بأننا نعمل بجد أكثر من الآخرين، وأننا نواجه صعوبات أكثر من أي شخصٍ آخر.
لقد وقع العديد منا، بمن فيهم أنا نفسي، فريسة لإغراء الشعور بأنهم شهداء. ومن السهل أن يحدث ذلك، لأن هناك غالبًا فارقًا ضئيلًا بين العمل الجاد الناتج عن ضرورة حقيقية، وبين الإفراط في العمل بدافعٍ نفسيٍّ مسبق.
والحقيقة “المحزنة” هي أن لا أحد يستفيد أو يقدّر الشهيد. فالشهيد هو عدو نفسه؛ يملأ رأسه دومًا بقوائم ما يفعله، ويذكّر نفسه دائمًا بمدى صعوبة الحياة. وهذا التفكير الذهني المبالغ فيه قد يسلبه متعة الحياة، ويلحق الضرر بالأفراد الذين يتعاملون معه. فالشهيد هو شخص كثير الشكوى، منعزل في ذاته بحيث لا يرى جمال الحياة. وبدلًا من أن يشعر الآخرون بالأسى عليه أو يرونه ضحية، كما يحب أن يرى نفسه دائمًا، فإنهم غالبًا ما يرون أن مشاكله من صنع يديه بالكامل.
فإذا كنت تعتقد أنك تميل إلى أن تكون كذلك، فإنني أحثك على الابتعاد عن هذا الأسلوب أو الامتناع عنه أو تجنبه. فبدلًا من أن تنفق طاقتك كلها في أداء شيء ما للآخرين، اترك عن قصد بعض الأشياء ليقوم بها شخصٌ غيرك، وابحث عن أمور أخرى تمارسها؛ كهواية مثلًا، وحاول أن تقضي دقائق يوميًا في عمل شيء لنفسك فقط، شيء تحبه فعلًا، وسوف تندهش من أمرين:
– أولهما: أنك ستبدأ في الاستمتاع بحياتك فعليًّا، وستحصل على طاقة أكبر لأنك ستشعر بضغط أقل. فلا شيء يستنزف الطاقة مثل الشعور بالنقمة تجاه كل شيء، وكأنك ضحية.
– ثانيهما: أن شعورك بأنك تقوم بكل شيء بدافع الإكراه سيختفي، ومن حولك سيبدؤون في تقديرك أكثر من ذي قبل. وبدلًا من الشعور بأنك لا تتقبلهم، سيشعرون بأنك تسعد بهم وتقدّرهم، وهذا ما سيحدث.
وباختصار، الجميع يستفيد ويربح عندما تتوقف أو تقلع عن الميل لأن تكون شهيدًا