
تعلم اللغة العربية بين الصعوبة والتقصير
بقلم الأستاذة/ زينب السعود

كلما كتبت عن اللغة العربية شعرت أنني على وشك الخوض في لجج متلاطمة في أصعب ظروف فكرية وبيئة مختلطة الثقافات والتوجهات تعيش فيها ملكة اللغات وسيدة الحروف وصاحبة الجلالة التعبيرية . يقول بعض المتعلمين الشباب أن تعلم اصول اللغة العربية وقواعدها والتعبير بها كان وما يزال عقدة العقد التي لا يجدون لها حلا وبعضهم لا يتورع عن ذم العربية والطعن في صلاحيتها للعصر الذي تتجدد افكاره وتتغير ثوابته بسرعة خاطفة تجعل مواكبة التغيير احيانا ضربا من اللهاث والجري في المكان ويصف البعض علاقته بلغته الأم بطريق وعرة كثيرة المطبات والعقبات ويسهب في نعت قواعدها بالجمود والصعوبة وعدم الجدوى ولا أجد لهذا الاستقباح والاستصعاب للعربية عند أبنائها سببا سوى أنهم لم يتعلموا فعلا اللغة العربية في مراحل التعليم الأولى فأسلوب تدريس اللغة العربية غالبا يعتمد على استظهار الحروف والكلمات والجمل الجامدة دون وضع المتعلم في جو لغوي حقيقي يطالبه بالتحدث والقراءة والكتابة معا .إن العلاقة المتوترة بين الجيل ولغته تعود أسبابها إلى الطريقة الجامدة في تعليمها حيث لا روح فيما يتعلمه المتعلم ولا عاطفة ولا تلمس للجمال .كيف سيحب الجيل لغته العربية وقد قدمت إليه على شكل عقوبة اسمها ” النحو ” فأصبحت القاعدة النحوية وتحفيظها واستظهارها هي الغاية من الدرس والامتحان أما الاستخدام التلقائي من خلال المحادثة اليومية التي تجعل عقل الطفل يتشرب الجملة العربية فتنشأ في وعيه وعقله فطريا دوه حاجة لتفصيلات النحو بالصورة الجامدة المعتادة حينها سيتعرف مكونات الجملة من خلال الاستخدام وليس العكس. وما يحدث على مقاعد الدراسة الأولى من تقصير وقصور في تعليم العربية لأبنائها تغذيه البيئة الاجتماعية من جهة والاغتراب الفكري من جهة اخرى وتقصير الجهات الإعلامية في القيام بدورها في حفظ الهوية اللغوية من جهة ثالثة . فالبهرجة الاجتماعية تقتضي من الأم والأب الحرص على تعليم الطفل منذ نعومة أظفاره اللغة الاجنبية متعللين بأنها لغة العصر والعلم . وهذا أخطر ما يقدمه الوالدان للأبناء في سنهم الصغير حيث يدخلون على لغتهم الأم ما ينافسها ويزعزها ويصرف النظر عنها والأولى أن تكون اولوية التعلم للغة الأم ثم يتعلم الطفل ما شاء من اللغات حيث يمكنه القياس على صورة لغوية ثابتة في عقله ووعيه فتبقى لغته الأم هي المرجع والمعيار .الحديث عن العربية وتعليمها للنشء لا تكفيه بضع سطور أو مقال او مقالات الأمر أكبر واعظم ويحتاج إلى وعي ومسؤولية مجتمعية وتربوية ومؤسسية لإعادة النظر في طرق تدريس اللغة العربية التي أودت برابطة الحب في قلوب كثير من ابنائنا للغتهم الأم.