بين الرسائل التربوية وغرس الصفات : قراءة في مجموعة “حواديت ياولاد “للمبدعة نهى عاصم

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 28 في 00.25.00 cbf0c603

بين الرسائل التربوية وغرس الصفات : قراءة في مجموعة "حواديت ياولاد "للمبدعة نهى عاصم

  بقلم الدكتورة/ نجلاء نصير

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 28 في 00.23.42 ccfda3e9

يحتل أدب الطفل مكانة محورية في تشكيل وعي الأجيال وبلورة منظوماتهم القيمية، وهو ما يضع على عاتق الكاتب مسؤولية مزدوجة: تقديم عمل فني ممتع وجذاب، وفي الوقت نفسه، غرس رسائل تربوية وأخلاقية بنّاءة. ومن ثم تعد  المجموعة القصصية “حواديت يا ولاد”للكاتبة :نهى عاصم كنموذج معاصر لهذا الأدب الهادف، حيث تقدم من خلال حكاياتها عالماً يستلهم مفرداته من بيئة الطفل العربي والمصري، ويهدف إلى بناء شخصيته على أُسس أخلاقية، اجتماعية، ودينية واضحة. 

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل مجموعة “حواديت يا ولاد” تحليلاً منهجياً، من خلال تفكيك عتباتها النصية، ورصد محاورها التربوية والفكرية، والوقوف على تقنياتها الفنية والسردية، للكشف عن كيفية نجاح الكاتبة في الموازنة بين المتعة والتعليم، وتقديم عمل أدبي يساهم بفاعلية في أدب الطفل المعاصر.

أولاً: العتبات النصية: مفاتيح الدخول إلى عالم الحواديت

الغلاف :

الغلاف الأمامي:

الألوان الزاهية (الوردي، الأصفر، الأزرق) تشير إلى عالم الطفولة، الفرح، والبراءة.

الرسومات اليدوية لأطفال وألعاب وحلوى تعزز دلالة العنوان، إذ تتماهى الصورة مع مضمون “الحواديت” كعالم خيالي ممتع.

الخط المستخدم في كتابة العنوان باللون الوردي بخط غير رسمي يضفي عفوية وبساطة، مما يتناغم مع لغة العنوان العامية.

الاسم المؤلف:

وضع اسم المؤلفة بخط واضح أعلى الغلاف يمنح مصداقية العمل ويؤطره في سياق إنتاج أدبي موجه للصغار.

النص الخلفي (النبذة):

يوضح الغاية التربوية للحواديت، ويؤكد على قيمتها في زمن السرعة الرقمية.

الربط بين النص الخلفي والعنوان يكشف أن “يا ولاد” ليس مجرد نداء، بل هو دعوة لاستعادة طقس الحكي في مواجهة الانفصال الرقمي.

الرسوم المكملة:

وجود عناصر متكررة (الشمس المبتسمة، الحلوى، الألعاب) يعمل كعلامات أيقونية ترمز للبهجة والبراءة.

تصميم الغلاف يخلق علاقة انسجامية بين النص البصري (الرسومات) والنص اللساني (العنوان)، في إطار دلالي واحد يخاطب الطفل.

العنوان “حواديت يا ولاد” يشكل عتبة نصية تؤطر تلقّي القارئ، عبر:

الوظيفة الإشارية: تحديد طبيعة المحتوى (قصص أطفال).

الوظيفة الإيحائية: استدعاء ذاكرة الحكاية الشعبية ومناخاتها.

الوظيفة الجمالية: تكامل العنوان مع الرسوم والألوان لتكوين خطاب بصري–لغوي موجه للطفل.

تعد العتبات المحيطة بالنص (العنوان، الإهداء، المقدمة) بمثابة بوصلة توجه القارئ وتكشف عن نوايا الكاتبة ورؤيتها.

1. العنوان – “حواديت يا ولاد”: يأتي العنوان في صيغة نداء مباشر وحميمي، مستدعياً إلى الأذهان صورة الجدة أو الأم وهي تجمع حولها الأطفال لتروي لهم الحكايات. هذه الصيغة العامية والمحببة تكسر الحاجز الرسمي بين الكتاب والقارئ الصغير، وتعده بتجربة دافئة ومألوفة.

حواديت”: صيغة جمع لـ”حدوتة”، وهي كلمة عامية مصرية تشير إلى الحكايات القصيرة الشفوية التي تُروى غالبًا للأطفال، محملة بتراث شعبي ودفء أسري.

“يا ولاد”: أداة نداء مباشرة، تُضفي طابعًا حميميًا بين الراوي والمتلقي، وتستحضر أجواء الحكي الشفهي حيث يلتف الصغار حول الراوي للاستماع.

فالجمع بين الكلمتين يخلق علامة لغوية تعلن هوية النص منذ البداية: قصص موجهة للأطفال، مستوحاة من أجواء التراث الشفهي المصري.

فحواديت يا ولاد” عنوان ذو حمولة سيميائية غنية؛ إذ يوظف العامية والنداء المباشر كعلامات على القرب والحميمية، ويستدعي ذاكرة الحكي الشعبي، مما يجعله جزءًا من إستراتيجية النص في التواصل مع المتلقي الصغير عبر تراثه اللغوي والثقافي.

2. الإهداء: يكشف الإهداء عن المنبع الشخصي والحميمي لهذه القصص. فهي مُهداة في المقام الأول إلى أبناء الكاتبة وأبناء إخوتها بأسمائهم ، وتذكرنا بأنها “ذكريات الحواديت التي قمت بابتكارها لكم كل ليلة”. هذا الإهداء يؤكد أن القصص وليدة تجربة أمومية حقيقية، ثم يتسع ليشمل “كل طفل يحبّ أن يستمع إلى حدوتة قبل النوم” ، مما ينقلها من الخاص إلى العام.

3. مقدمة الشاعر أحمد سويلم: وجود تقديم بقلم شاعر كبير مثل أحمد سويلم يمنح المجموعة مصداقية أدبية. يشهد سويلم بأن العمل “يحمل القيمة والمتعة والطرافة والملاءمة لهذه المرحلة العمرية” ، وأن أفكاره “مستمدة من عالم الطفل”.

4. مقدمة الكاتبة: تؤكد نهى عاصم أن هذه الحواديت كانت أداة تربوية فعّالة استخدمتها مع أطفالها لتعليمهم “دينهم، والصواب والخطأ” والتخلص من بعض العادات السيئة. إقرارها الصريح بالهدف التربوي يضع المجموعة في إطار الأدب الملتزم الذي يرى في الحكاية وسيلة للتهذيب والإصلاح.

ثانياً: المحاور الموضوعية والتربوية

تتوزع قصص المجموعة على عدة محاور تربوية تهدف إلى بناء منظومة قيم متكاملة لدى الطفل:

1. محور القيم الأخلاقية والإنسانية:

الرحمة والتعاطف: في قصة “العصفورة والنخلة الطيبة”، تُقدَّم قيمة مساعدة الضعيف كقيمة عليا، حيث تُكافأ النخلة الطيبة على كرمها مع العصفورة اليتيمة، بينما تُعاقب الأشجار المتكبرة.

نبذ العنصرية وتقبل الآخر: قصة “سهيلة وصديقتها” تعالج بذكاء وحساسية قضية العنصرية. ترفض الطفلة سهيلة زميلتها سلمى بسبب لون بشرتها الداكن. فتقوم الأم بدرس عملي، حيث تحرم سهيلة من كل أشيائها السوداء التي تحبها (فستانها، عروستها، كعك الشوكولاتة) ، ثم تعرض عليها صوراً لأطفال أفارقة يعانون، لتصل بها في النهاية إلى قناعة بأن “الإنسان ليس بلونه؛ لا .. بل بأخلاقه الحلوة وحبه للناس”.

قيمة الصدقة والعطاء: في قصة “أحمد والدراجة”، يُعلّم الأب ابنه قيمة التصدق بالأشياء التي يحبها، وأهمية إصلاحها قبل إعطائها للفقير ، لغرس مفهوم العطاء بأفضل صورة.

2. محور التربية السلوكية:

السلامة الشخصية: تتكرر النصائح السلوكية المباشرة، مثل ارتداء الخوذة أثناء ركوب الدراجة في قصة “أحمد والدراجة” ، والتحذير من وضع أجسام غريبة في الأذن في قصة 

“عاصم والفيشار”.

نقد الإفراط في التكنولوجيا: قصة “عمر والتكنولوجيا” تقدم نقداً واضحاً لعزلة الأطفال بسبب انغماسهم في الأجهزة الإلكترونية. وتُظهر القصة كيف أن “الألعاب المشتركة البسيطة مع الأقارب والأصحاب أجمل من العزلة”.

3. محور الهوية الدينية والوطنية:

القيم الدينية: تتناول الكاتبة موضوعات دينية بأسلوب مبسط، ففي قصة “جنة والحجاب”، تشرح فريضة الحجاب كطاعة لله وليس مجرد اقتناع. وفي 

“يويو والخروف”، تروي قصة أضحية العيد من خلال قصة سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

الهوية الوطنية والقومية: تخصص الكاتبة قصتين طويلتين لتعزيز الانتماء الوطني والقومي. في 

“يعني إيه كلمة وطن؟”، تستغل أحداث ثورة 25 يناير لتشرح لأبنائها معنى الوطن والعدل والتضحية. وفي قصة 

“يحيى وقضية فلسطين”، تقدم درساً تاريخياً مبسطاً عن القضية الفلسطينية، مدعوماً بالخرائط والصور والآيات القرآنية.


ثالثاً: التقنيات الفنية والسردية

تعتمد الكاتبة على مجموعة من الأدوات الفنية البسيطة والفعالة التي تتناسب مع طبيعة أدب الطفل:

البناء السردي التقليدي: تتبع معظم القصص بنية الحكاية التقليدية (بداية، وسط، نهاية) مع خاتمة ثابتة “وتوتة توتة.. خلصنا الحدوتة” ، مما يخلق إطاراً مألوفاً ومريحاً للطفل.

الحوار التعليمي: يعتبر الحوار، خاصة بين الطفل وشخصية راشدة حكيمة (أم، أب، معلم)، هو الأداة الرئيسية لتقديم الرسالة التربوية. يتم طرح السؤال من الطفل، وتأتي الإجابة شافية ومفصلة من الراشد.

الشخصيات النموذجية: تُبنى الشخصيات لتكون نماذج سلوكية واضحة (الطفل الطيب، الأم الحكيمة، الصديق السيئ)، مما يسهل على الطفل استيعاب الدرس الأخلاقي.

لغة بسيطة ومباشرة: تستخدم الكاتبة لغة سهلة وواضحة، تبتعد عن التعقيد، وتتجه نحو التواصل المباشر مع الطفل.

ومن ثم، تُعد مجموعة “حواديت يا ولاد” عملاً تربوياً ناجحاً، ينهل من تجربة شخصية صادقة، ويقدم منهجاً متكاملاً لغرس القيم في نفوس الأطفال. نجحت نهى عاصم في توظيف قالب “الحدوتة” الشعبي المحبب لتقديم محتوى تعليمي هادف يغطي جوانب متعددة من حياة الطفل الأخلاقية، السلوكية، الدينية والوطنية. إنها مجموعة تؤكد على أن أفضل الحكايات هي تلك التي تنبع من القلب، وتهدف إلى بناء العقل والروح معاً .


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *