
"ظهرٌ لا يُصافحُ الزمن"
بقلم الكاتبة/ وفاء داري- فلسطين

(1)
ناجي..
هل نجوت من الخذلان؟
من تواقيع الطغيان؟
من أصابع الأمراء
حين تآمروا على حبرك؟
نحن كثّفنا الدعاء…
علّنا، بعد الكرب، نجد ميسرة
لكنّ حنظلة..
لم ينجُ، ظلّ معلقًا على الجدران
كصوت لم يكتمل
في تمام السخرية خرج من مرآة الكلام
يحمل رسمةً لا تشبه أحدًا
لكنّها تُدمي الجميع
لم يكن وجهه يُرى..
لأن الوجوه التي تتكرّر تفقد حقّ الظهور
(٢)
حنظلة…
ذاك الطين المنكمش على صراخه
ذاك الطفل الذي أدار لنا ظهره
لأننا خنّا الواجهة
أطلقوا على الصوت رصاصة
فنزف الخطّ..
وسقطت الصحف كجثثٍ لا تُغسّل
في الطريق إلى القبس
كان الحبرُ يمشي على عكاز الفكرة
وكانت الخيانة ..
تمسح حذاءها بخرائط الصمت
الغدر شدّ الزناد على رسمةٍ لا تموت
وعرّافٌ كتب في دفتره:
كلّ من أراد أن يرى… عُمي ناجي..(٣)
أكنتَ تعرف أن حنظلة لن يشيخ؟
وأن الظهر الذي لم يُدر إلينا
هو مرآةُ التاريخ حين يخجل؟
كبرنا…
وحنظلة ظلّ هناك
في مداخل المخيّم
يراقبنا من انسحاب الحلم
لا النكسة أوقفته..
ولا السلام أغراه كمصيدة
(٤)
اليوم…
نكتب في هامش الوقت:
لقد حاولوا قتل الأصابع
فارتعشت الجدران
أغمضتَ عينيك
لكنّ القناص لم يُغمِض نواياه
صارت الرصاصة…
حنظلةً آخر
يحفر في وجهنا كلّما أنكرنا المرايا
منذ رُسم الطفلُ إلى الآن،
ونحن نحبو خلف خيال لا يلتفت
ربما لن يغفر لنا
لكنّه… لن ينسى
(٥)
في ذلك اليوم،
طاشت الحروف عن الورق
تسرّب الظلُّ من محبرة الرصاص
سقطت الجبهةُ على رصيف لندن البارد
فانكسر المدادُ…
انساب شريانٌ أزرقُ في شقوق الأسفلت..
يا ناجي…
أيها الساقطُ على عتبة الصمت:
هل ابتلع السؤال جوابَهُ؟
أين استقرَّ صراخُك في أذن الزمن الصمّاء؟
لقد صيّرَكَ الطغيان بذرةً في تراب الغياب
وظلَّ حنظلةُ،
الظلُّ الأصمُّ قائمًا بظهره للقصور…
وعينيه على شجر الزيتون
(٦)
تآمر الأمراءُ بالصمت المُذهّب
وكان التوتُ ينزفُ على جدارٍ يشبه الوطن
لم تَنَمِ القصيدةُ في محراب الدعاء
بل انفلقتْ من جرحٍ لم يندمل:
بذرةٌ من حجرٍ… ظلٌّ من طينٍ
طفلٌ بقدمين عاريتين يُحدّق في المجهول
ها هو يُقلّب كفَّ اليأس
يخبئ وجهه في كفِّ الريح
ينحتُ من صمته تمثالًا للصمتِ المقاوم
فالرصاصةُ التي مزّقت الوجه
لم تُمزّق الصورة:
صارت كلُّ بقعةِ حبرٍ مرآةً..
وكلُّ خطٍّ منحنٍ… طريقًا
وفاء داري/ فلسطين
الشكر والتقدير للفنان التشكيلي: عمر بدور، على اللوحة التعبيرية