
نبوءة متعب
بقلم الكاتبة/ وفاء داري- فلسطين

سامحيه.. فهو لا يموت دفعةً واحدة
بل يتساااااقط بهدووووء…
ميتةً بعد أخرى
كشجرة تخلع أوراقها في الخفاء
ميتته الأولى:
كانت لحظة اكتشافه أنه وُلد
في بلدٍ لا يُحتفل فيه بميلاد
بل يُؤرّخ بالنكبة
حيث الهواء مراقب،
واللغة تخرج مذبوحة ًمن فم الوطن
هو مجبولٌ بالقهر والهمّ
مدرّبٌ على الخسارة قبل المشي
ومحكومٌ عليه بسيادةٍ تريد عباقرة
على قياس نفاقها
ثم يُتِّم..
فانكسرت مرآة الطفولة،
واستفاق على يدٍ غليظةٍ تغلق الباب
وتتركه خارج الحكاية
رأى كيف تُدفن الأبوة
في حشدٍ من الصمت
وكيف تُلقى التعازي بعيون مطفأة
في البيت شقيقةٌ من نورٍ آخر
تحمل لغتها في العيون
وتحبو نحو المعنى بلا صوت
عندها مات مرّة ثالثة
وحين نزحت العائلة نحو منفى لا يشبه أحدًا
مات مرّة رابعة…
فالشتات لا يُغادر من يسكنه
وفي سقوطه حين نادى.. ولم يُجِب أحد
حين التصق به الكسل هُويةً ثانية…
مات ميتته الخامسة
واقتنع أن الوحدة وطنٌ بلا خريطة
في خاصرته الرخوة…
جاءت طعنة من ذوي القربى
فظنّ أن الخذلان قد تعلّم اسمه
وحفظ أماكن ضعفه
فمات مرّة أخرى دون أن يُنزف
أما الحبّ.. فقد قال له الكثير
ثم ترك له الصمت
واختار الرحيل
كان يظن أن الآخر
يمكن أن يُشارك الفكر والعطاء
لكنّ الآخَرَ ظلَّ آخر-
فمات وهو على قيد الحياة،
ميتته الأخيرة
سامحيه، يا حياة، فأنتِ أدرى ..
بما يحمله هذا الشقيُّ على ظهره
جاهد، نعم…
احتمل، نعم…
لكنّه كان يركض خلف وهمٍ
نسجته أغنيةٌ وقصيدة من حُلم
أنتِ أردتِ له بيتًا،
زوجةً، دفءَ مساءٍ عادي
لكنكِ كنتِ تعرفين
ما من وطن سيفهمه مثلك
ولا من أولادٍ سينشأون في ظلّه
دون أن يتعلّموا لغة الحزن مبكرًا
أردتِه سندًا…
لكنكِ كنتِ تحدسين دومًا
أنّ مملكته ليست من هذا العالم
وأنّه لا يكتب بحبرٍ عادي
بل.. بما تبقّى من ضوء!!
الشكر والتقدير للفنان التشكيلي: شهاب قواسمي لرسمه اللوحة التعبيرية.