الرياضة في مصر القديمة: بين الملوك والعامة

صورة واتساب بتاريخ 1447 03 20 في 06.43.46 cd675548

الرياضة في مصر القديمة: بين الملوك والعامة

بقلم الدكتور/ حسين عبد البصير

صورة واتساب بتاريخ 1447 02 14 في 01.12.27 c7a8d493 Copy


قبل أكثر من ألفي عام من انطلاق أول دورة للألعاب الأولمبية في اليونان القديمة، كانت الرياضة تشغل مكانة محورية في حياة المصريين القدماء. لم تكن مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل ارتبطت بالثقافة والدين والسياسة، وأصبحت عنصرًا جوهريًا من عناصر الحياة اليومية، سواء عند الملوك والفراعنة أو عامة الشعب. ويُعد هذا الجانب من حضارة مصر القديمة واحدًا من أكثر الجوانب التي تكشف عن عمق فهم المصريين لأهمية الجسد والعقل والروح.


يُعتبر الباحث الألماني ولفجانج ديكر واحدًا من أبرز من تناول موضوع الرياضة في مصر القديمة، حيث اعتمد على أحدث نتائج الدراسات الأثرية والتاريخية، وقدم صورة شاملة تُظهر كيف مارس المصريون الرياضة على مختلف المستويات الاجتماعية، وكيف ارتبطت بالنظام السياسي والديني للدولة.


الرياضة عند الملوك والفراعنة


كان الفراعنة يمارسون الرياضة لأهداف سياسية ورمزية بالأساس. فالمشاركة في الأنشطة الرياضية لم تكن مجرد متعة، بل وسيلة لإثبات القوة البدنية والتفوق الإلهي الذي يميز الملك عن باقي البشر. ومن أهم الرياضات التي مارسها الملوك الرماية، إذ كان القوس والسهم رمزًا للقوة والسيطرة والقدرة على حماية البلاد. وتظهر النقوش الملكية، خاصة في عصور الدولة الحديثة، مشاهد للفراعنة مثل رمسيس الثاني وهم يثبتون براعتهم في إصابة الأهداف بدقة مذهلة.


كما ارتبط الملوك برياضات أخرى مثل سباقات العربات الحربية، التي كانت من أكثر الرياضات إثارة، وتعكس مزيجًا بين المهارة البدنية والسيطرة على الخيل، فضلًا عن كونها رمزًا للقوة العسكرية. وهناك أيضًا إشارات إلى ممارسة الملوك لرياضات الجري والتحمل لإظهار اللياقة البدنية التي تؤهلهم لحكم البلاد.


الرياضة عند عامة الشعب


على الرغم من الطابع الرمزي والسياسي للرياضة الملكية، فإن عامة المصريين لم يكونوا أقل شغفًا بالرياضة. بل إن حياتهم اليومية حفلت بالكثير من الأنشطة الرياضية، بعضها كان تنافسيًا وبعضها الآخر ترفيهيًا أو مرتبطًا بالاحتفالات والمناسبات.


ومن أبرز هذه الرياضات:


السباقات والجري والقفز: وهي أنشطة شائعة بين الشباب لإظهار القوة والسرعة.


الرياضات المائية: مثل السباحة والتجديف، خاصة أن النيل كان محور الحياة المصرية.


المصارعة والملاكمة: وتُظهر الرسوم الجدارية في مقابر بني حسن وغيرهما مشاهد دقيقة توثق أساليب المصارعة المختلفة.


المبارزة بالعصي (القتال بالعصي): وهي رياضة مصرية أصيلة ما تزال لها امتدادات شعبية في بعض القرى المصرية حتى اليوم.


الألعاب بالكرة: مارسها الصغار والكبار باستخدام كرات مصنوعة من القماش أو الجلد.


ألعاب الأطفال: تضمنت أنشطة بدنية بسيطة وألعابًا جماعية تغرس روح التعاون والتنافس.


الرقصات الأكروباتية: التي جمعت بين الفن والرياضة والاحتفالات الدينية.


الصيد كرياضة للنخبة


في فصل مهم من دراسته، يشير ديكر إلى أن الصيد كان رياضة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية. فهناك أنواع من الحيوانات كانت حكرًا على الفرعون وحده، مثل الأسود وبعض الطرائد الكبيرة، بينما خُصصت أنواع أخرى للنبلاء وطبقة الصفوة. لم يكن الصيد مجرد وسيلة للعيش أو الحصول على الغذاء، بل رمزًا للسلطة والسيطرة على قوى الطبيعة.


الرياضة كبعد اجتماعي وسياسي


لم تكن الرياضة في مصر القديمة نشاطًا منعزلًا عن بقية مظاهر الحياة، بل ارتبطت بالمجتمع والسياسة والدين. فالملك، بصفته ممثل الإله على الأرض، كان مطالبًا بإظهار قوته البدنية وقدرته على حماية الشعب، مما جعل الرياضة جزءًا من الشرعية السياسية. أما على المستوى الشعبي، فقد شكلت الرياضة وسيلة للترفيه وتفريغ الطاقات وبناء الروابط الاجتماعية.


الخاتمة


من خلال دراسة الرياضة في مصر القديمة، ندرك أن المصريين سبقوا العالم في وعيهم بأهمية النشاط البدني في تكوين الإنسان. لقد جمعوا بين الترفيه والرمزية، بين المتعة والسياسة، بين الفرد والمجتمع. وإذا كانت الألعاب الأولمبية في اليونان قد اشتهرت عالميًا، فإن جذور الفكرة تعود إلى وادي النيل، حيث مارس المصريون الرياضة قبل آلاف السنين، وجعلوا منها وسيلة لصياغة هوية حضارية ما زالت تلهم العالم حتى اليوم.


مقالات أخرى

رحلة معرفة وعلم وعمل

بقلم الأستاذة الدكتورة/ رضوى إبراهيم

تفاهاتي

بقلم الأديبة المصرية/ هناء سليمان

علاقة مميزة

بقلم الأديبة المصرية/ نهى عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *