تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني
بقلم الدكتور/ حسين عبدالبصير- مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
تعد ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في معبده الكبير بمدينة أبوسمبل من أعجب وأدق الظواهر الفلكية التي عرفها الإنسان القديم، وتُعد واحدة من أهم الشواهد على عظمة الفكر العلمي والديني والهندسي في مصر القديمة. إذ تحدث هذه الظاهرة مرتين كل عام، في يوم 22 فبراير ويوم 22 أكتوبر، حيث تتعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس داخل المعبد الكبير لتضيء وجوه ثلاثة من أربعة تماثيل جالسة هي: الإله رع-حوراختي، والإله آمون رع، والملك رمسيس الثاني نفسه، بينما يبقى وجه الإله بتاح، إله الظلام والعالم السفلي، غارقًا في الظل.
هذه الدقة الفلكية المذهلة لم تأتِ مصادفة، بل كانت نتاج معرفة المصريين القدماء بحركة الشمس والكواكب، وتحديدهم الدقيق لمواقيت الفصول والزراعة والاحتفالات الدينية. ويُعتقد أن يومي التعامد يرمزان إلى حدثين مهمين في حياة الملك رمسيس الثاني: يوم مولده ويوم تتويجه على العرش، وهو ما يضيف بعدًا رمزيًا ودينيًا عميقًا للظاهرة.
من الناحية السياحية والأثرية، تعد هذه الظاهرة فرصة سنوية نادرة للترويج لمصر كوجهة ثقافية فريدة لا مثيل لها في العالم. غير أن الاستفادة منها ما زالت محدودة نسبيًا مقارنة بما يمكن تحقيقه. فالمكان يستقبل آلاف الزائرين في يومي التعامد، لكن الإمكانات اللوجستية، وخطط الترويج، والربط بين هذا الحدث وبين باقي المقاصد السياحية في النوبة وأسوان، ما زالت تحتاج إلى تطوير واستثمار أعمق.
ولذلك، أرى أن تعامد الشمس على رمسيس الثاني يمكن أن يكون نقطة انطلاق لبرنامج وطني متكامل يجمع بين الآثار والفلك والسياحة الثقافية، من خلال:
توسيع التغطية الإعلامية والعلمية عبر أفلام وثائقية عالمية وفعاليات مشتركة مع وكالات الفضاء والمراصد الدولية لتسليط الضوء على عبقرية المصري القديم.
تنظيم مهرجان فلكي سنوي في أبوسمبل يضم محاضرات علمية، وعروضا موسيقية وفنية مستوحاة من التراث النوبي والمصري القديم، لخلق تجربة متكاملة للزائر.
الربط بين حدث التعامد ومسار الشمس المصري القديم، بحيث يُدرج ضمن خريطة السياحة الفلكية التي تشمل معابد الكرنك، دندرة، إدفو، والبر الغربي بالأقصر، وغيرها.
تحسين الخدمات السياحية والبنية التحتية في المنطقة بما يليق بعظمة الحدث، مع تقديم عروض ضوئية وشرح رقمي ثلاثي الأبعاد يوضح الظاهرة قبل وأثناء حدوثها.
تفعيل دور الجامعات والمراكز البحثية المصرية في دراسة الظاهرة فلكيًا وأثريًا وتقديم أبحاث جديدة تُنشر عالميًا لتأكيد ريادة مصر في علم الفلك القديم.
إن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني ليس مجرد مشهد سياحي مدهش، بل هو رسالة من الحضارة المصرية القديمة إلى العالم الحديث، تؤكد أن المصري القديم كان عالمًا وفيلسوفًا وفنانًا في آنٍ واحد، وأن مصر لا تزال قادرة على إبهار العالم كما أبهرت الإنسانية قبل آلاف السنين.
